ومن مقاطيعه قوله:

أنْحَلَ اللهُ خَصْرَ ذاتِ المِثالِ ... فهْي واللهِ لا ترِقُّ لحالِي

وأراني ألْحاظَها في انْكسارٍ ... ولَظَى جَمْرِ خدِّها في اشْتعالِ

وأصلُه قول ابن الرومي:

أنْحَلتْني حبيبتي ... أنْحَلَ اللهُ خَصْرَهَا

كسَرتْني جفُونُها ... ضاعَف اللهُ كَسْرَهَا

ومثله قول إبراهيم بن مشعل:

أضْعَفَ الجسمَ فاتِنِي ... ضاعَف اللهُ حُسْنَهُ

سَقَمِي من جُفونِه ... لا عدا السُّقْمُ جَفْنَهُ

وقوله:

لا طفا اللهُ جَمْرَ خَدِّ حبيبٍ ... قد كَوانِي بهَجْرِه والصُّدودِ

وحَماه من عارِض وأراني ... سُقْمَ عيْنيْه دائماً في مَزِيدِ

فخر الدين أبو بكر بن محمد الخاتوني أديبٌ منطبع السليقة، متكافىء الخلق والخليقة.

قلد الطروس فخراً بكلمه، وحشر الصواب بين بنانه وقلمه.

وجرى طلقاً في ميدان القريض، فدلت على سبقه كلمة الكلمة بالتصريح والتعريض.

وقد رأيت له قطعاً فذة، منازعها مستلذة.

فمنها قوله في غربية المكية، وقد هام بها هيمان المعتمد بالرميكية.

رُبَّ سَمْراءَ كالمُثقَّفِ لَمَّا ... خطَرتْ في الغلائلِ السُّنْدُسِيَّهْ

غادةٌ تسلُبُ العقولَ ولا بِدْ ... عَ وأعمالُ طَرْفِها سِحْريَّهْ

جُبِلتْ ذاتُها من المَنْدَلِ الرَّطْ ... ب ففاقتْ على الرِّياض الزَّكِيَّهْ

مالَها في الغُصونِ نِدٌّ وليس النَّ ... دُّ إلاَّ من ذاتِها المِسْكِيَّهْ

منها:

هي للقلبِ مُنْيةٌ ولكم مِن ... صَدِّها الصَّبُّ ذاقَ طعمَ المَنِيَّهْ

ذاتُ لَحْظٍ وَسْنانَ يَفْعل ما لمْ ... يفعلِ السيفُ في قلوبِ الرَّعِيَّهْ

ومُحَيّاً مِن دونِه يخْسَف البَدْ ... رُ إذا لاح في الليالي البَهِيَّهْ

حَوَتِ الحُسْنَ كلَّه فهْي ممَّا ... أبْدَعَ اللهُ صُنْعَه في البَرِيَّهْ

شَبَّهوها عند التلفُّتِ بالظَّبْ ... يِ وهيْهات ما هُما بالسَّوِيَّهْ

كلُّ شيءٍ يخْفَى إذا ما تبدَّتْ ... وهْي كالشمسِ لا تزال مُضِيَّهْ

ليت شِعْرِي وأيُّ شمسٍ بشرقٍ ... لك تبْقَى إذا بدتْ غَرْبِيَّهْ

وله يرثي السيد أحمد بن مسعود، لما بلغه خبرُ موتِه:

على فَقْدِ بدر التِّمِّ أحمدَ لْتَجُدْ ... لعُظْمِ الأسَى من كلِّ نَدْبٍ شُئونُهُ

وإلاَّ فمن يا ليت شِعْرِيَ بعدَه ... إذا هي لم تسمحْ تسِحُّ جُفونُهُ

فتىً كان والأيامُ للجَدْبِ كُلَّحٌ ... إذا أمَّه العافِي أضاءَ جَبِينُهُ

فتُبْصِرُ بدراً منه قد تمَّ حسنُه ... وتنْشَق روضاً قد تناهَتْ فُنونُهُ

تجود وإن أوْدَى الزمانُ يَسارُه ... بما قد حَوَتْ من كلّ وَفْرٍ يَمِينُهُ

فقُل للذي قد جَدَّ في طَلَبِ النَّدَى ... رُوَيْدَك إن الجودَ سارتْ ظُعونُهُ

وقد غاب من أُفْقِ الكمالِ مُنِيرُه ... كما غار من بحرِ النَّوالِ مَعِينُهُ

وأصبح وجهُ المجدِ للحُزْن كالِحاً ... كأنْ لم تكن من قبلُ قرَّتْ عيونُهُ

سأبْكيه والآدابُ أجمعُها معي ... بدمعٍ تَوَدُّ السُّحْبُ يوماً تكونُهُ

ولِمْ لا عليه الفخرُ يبْكي تأسُّفاً ... وقد حُقَّ منه البَيْنُ وهْو خَدِينُهُ

فذاك الذي عن مِثْلِه يقْبُح العَزَا ... ويحسُن إلاَّ مِن هواه سكونُهُ

عليه من الله التحيَّةُ ما وفَتْ ... بفُرْقتِه من كلِّ حَيِّ مَنونُهُ

ورحمتُه ما حَنَّ أوْ ناحَ وَالِهٌ ... نأَى عنه من بعدِ التَّدانِي قَرِينُهُ

وله في الفوارة:

ألا مِلْ إلى روضٍ به بِرْكَةٌ زَهَتْ ... بفَوَّارةٍ فيها كفَصٍ من الْمَاسِ

إذا ما أتاها زائرٌ قام ماؤُها ... فأجْلَسَه منها على العَيْنِ والرَّاسِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015