فرُحْتُ نَشْوانَ من مُقبَّلِها ... ورِيقِها ما ألَذَّ سَكْرَتِيَّهْ
وفي ثَنايا نَقِيِّ مَبْسمِها ... شُهْدٌ عليه النفوسُ مُحتوِيَّهْ
وما اجْتنَى الشُّهْدَ قَطُّ من بَرَدٍ ... غيْرِي فيَامَا ألَذَّ جَنْيَتِيَّهْ
فعند ذا أنْعمتْ وما بخِلتْ ... ورُحْتُ أُثْنِي على مَحَبَّتيَّهْ
ومن مقطعاته قوله:
شمسُ الطِّلا بدري غدا ... لم يصْحُ من تعْليلِهَا
فالرَّاح قتلة قتْلتِي ... وأنا قتيلُ قَتِيلِهَا
ومثله قول الأديب محمد البوني:
يا لَقَوْمِي إنِّي قتيلٌ ببدرٍ ... هو أضحَى قتيلَ شمسِ العُقارِ
عَلِمَ اللهُ أنَّ قتْلِي حرامٌ ... فاشْغَلَنْهُ بها لتأخذَ ثارِي
محمد بن أحمد البوني كوكب مجدٍ أضاء سناه، وحل بيتاً من الفخر ربه وبناه.
بوجهٍ أضاء نوراً، فملأ القلب فرحة وسروراً.
وسجيةٍ وارية الزناد، ذكر علاها عطر كل ناد.
وله شعر في الرتبة العالية، يرخص عند مسك مداده الغالية.
أثبتت منه ما يفوح فوحة الزهر عبقا، ويتمتع به من كان معتلقا بالشعر الرقيق ومستبقا.
ما دام كأسُ المُحَيَّا باسمَ الشَّنَبِ ... فتَرْكُ لَثْمِي له من قِلَّةِ الأدبِ
فاسْتجْلِها بنتَ كَرْمٍ مع ذوي كَرَمٍ ... مِن كَفِّ ساقٍ ببُرْدِ الحُسْن مُحْتجِبِ
كالبدر يسْعَى بشمسِ الرَّاح في يدِه ... فاعْجَبْ لبدرٍ سعَى بالشمسِ للَّهَبِ
إذا رَنا قلت خِشْفٌ في تَلفُّتِه ... وإن تثنَّى فغُصْنٌ ماسَ في الكُثُبِ
مَن لي بها وهْي تُجْلَى في زُجاجتِها ... ومِن سَنَا مُؤْنسٍ باللهوِ والطَّرَبِ
مَعْ رُفْقةٍ كالنجُومِ الزُّهْرِ ساطعةً ... حازُوا جميعَ النُّهَى والذَّوْقِ في العربِ
والوُرْقُ تشْدو على الأغْصانِ قائلةً ... باكِرْ صَبُوحَك بالكاساتِ والنُّجُبِ
وكتب إليه إبراهيم المهتار قصيدة، مستهلها:
بقلبِيَ سيفَ اللَّواحِظِ سَنَّهْ ... وأفْرَضَ وَجْدِي وهَجْرِيَ سَنَّهْ
فأجابه بقصيدة، أولها:
أجبْتُك مولايَ من غيرِ مِنَّهْ ... فذَوْقُك قد خَصَّني الفضُ مِنَّهْ
وإنِّي مُطِيعُك فيما أمرتَ ... به ووِدادِي كما تَعْهدَتَّهْ
منها:
عجبتُ لسحرِ عيونِ الظِّبا ... تصيدُ القساوِرَ من غَابِهِنَّهْ
وهُنَّ الدُّمَى الخُرَّدُ الآنِساتُ ... ومَن لهمُ الشِّعْبَ أضْحَى مِظَنَّهْ
فكم دون أخْدارِها مَهْلَكٌ ... وكم حولَه من جِيادٍ مُعَنَّهْ
بِبيضِ الصِّفاح وسُمْرِ الرِّماحِ ... وصُفْرِ القِسيِّ وزُرْقِ الأسِنَّهْ
فحيَّى حِمَى الشِّعْبِ من عامرٍ ... حياً هَمُّه سَقْيُ أطْلالِهِنَّهْ
فثَمَّ الغَوانِي المِلاحِ الصِّباحِ ... يَرِنُّ الوِشاحُ بأعْطافِهِنَّهْ
إذا مِسْنَ ما بين تلك الخُدورِ ... تُحاكِي الْقَنا لِينَ قامتِهِنَّهْ
فطيرُ الحَشَا لم يزَلْ واجِباً ... عليهِنَّ إن لُحْنَ في حَيِّهنَّهْ
ومن ثَمَّ أحْوَى بديعُ الجمالِ ... حوَى اللُّطْفُ والظُّرْفَ مِن بَيْنِهنَّهْ
رَشاً خَصْرُه مُضْمَرٌ ناحِلٌ ... إذا قام والرِّدْفُ ما أرْجَحَنَّهْ
فوَجْنتُه منذُ دَبَّ العِذارُ ... حكَتْ يا ذَوِي العِشْقِ ناراً وجَنَّهْ
قوله: فطير الحشا قد غدا واجبا، أحسن فيه وأجاد.
وطيور الواجب المتعارفة عند أرباب القوس والبندق أربعة عشر، وهي: الكركي، والشبيطر، والعنز، والسوغ، والمرزم، والغرنوق.
وهذه الستة يقال لها: قصار السبق.
والنسر، والعقاب، والإوز، والتم، واللغلغ، والأنيسة، والكوى.
ويقال لها: طوال السبق.
وإنما قيل لها طيور الواجب؛ لأن الرامي كان لا يطلق عليه لفظ الرامي، إلا بعد قتله هذه بأجمعها بالبندق وجوباً صناعياً.