والجَوُّ مُضْطرِمُ الأرْجاءِ تحسَبُه ... بُرْداً أُصِيبَ حواشِيه بأُلْهوبِ
يا بارِقاً لاح وَهْناً من دِيارِهمُ ... كأنه حين يهْفُو قلبُ مَرعوبِ
أذْكَرتنِي مَعهداً كُنَّا بِجِيرتِه ... نسْتقصِرُ الدهرَ من حُسْنٍ ومن طِيبِ
لم أنْسَ بالتَّلَعات الجُونِ مَوقِفنا ... والحَيُّ ما بين تقْويضٍ وتطْنِيبِ
وقد بَدا لِعيونِ الصَّحْبِ سِرْبُ ظِباً ... حَفّتْ بظَبْيٍ ببيضِ الهند مَحْجوبِ
لم تبدُ تلك الدُّمَى إلا لسَفْكِ دمِي ... ولا العِذابُ اللَّمَى إلا لتعْذيبِي
ومن خمرياته:
قُمْ إلى بِنْتِ الكُرومِ ... واسْقِنِيها يا ندِيمي
ما ترى الليلَ تولّى ... وانْطفَا ضوءُ النجومِ
وأضاء الصبحُ ما بي ... ن تصارِيفِ الغُيومِ
وبَدا الطَّلُّ على الأغْ ... صانِ كالعِقْدِ النَّظِيمِ
وشَدَتْ قُمْرِيَّةُ الأيْ ... كِ على الغُصْنِ القَوِيمِ
وسَرتْ رِيحُ الخُزَا ... مى من رُبَى ظَبْيِ الصَّرِيمِ
فأدِرْها خمرةً تُنْ ... بي عن العصرِ القديمِ
واسْقِنيها لتُزيلَ ال ... يومَ عن قلبي هُمومي
هاتِها لي قهوةً من ... عهدِ لُقْمانَ الحكيمِ
وامْلأِ الكاساتِ إنِّي ... في الصِّبا غيرُ مَلومِ
أيها النفسُ تَصابَىْ ... ثم في العِصْيانِ هِيمي
وعن الذُّلِّ تَوَلَّىْ ... وعلى العِزِّ أقِيمي
واكْثرِي الذنب فرَبِّي ... غافرُ الذنبِ العظيمِ
وله من قصيدة:
أذْكى بقلي لاعِجَ الأشْجانِ ... بَرْقٌ أضاء على رُبَا نَعْمانِ
أجرى مَدامعَ مُقْلَتِي أوْرَى زِنَا ... دَ صَبابتِي أشْجَى فؤادِي الْعانِي
ما شاقَنِي إلاّ لأنَّ وَمِيضَه ... برُبَا الهوَى ومَعاهدِ الخِلاّنِ
يا بَرْقُ جُدْ بالدَّمْعِ في أطْلالِهم ... عني فسَحُّ الدمعِ قد أعْيانِي
لم أسألِ الأجفانَ سَقْيَ عُهودِهمْ ... إلاّ وجادت لي بأحمرَ قانِ
وَاهاً لأيامِ العُذَيْبِ إذِ اللِّوَى ... وطني وسكانُ الحِمَى جِيرانِي
إذْ كنتُ طَوْعاً للهوى واللهو في ... ظُلَلِ الشَّبيبةِ ساحبَ الأرْدانِ
تُشْجِينيَ الوَرْقاءُ إن صاحت على ... تلك الغصونِ بنَغْمةِ الألحانِ
ويشُوقُني بانُ النَّقا وحُلولُ وا ... دِيهِ وحسنُ الدارِ بالسُّكانِ
وله، موجهاً بأسماء الأنغام:
سلامُ اللهِ من صَبٍ مَشُوقِ ... جَريحِ القلبِ باكي المُقْلتيْنِ
على مَن حَلَّ من قلبي السُويْدَا ... لِعزَّتِه وحلَّ سوادَ عَيْنِي
نأَى بالصبرِ لَمَّا بان عنِّي ... وخلّفني سَهيرَ الفَرْقَدَيْنِ
فليت الرَّكْبَ قد وقفُوا قليلاً ... على العُشَّاقِ يوم نَوَى الحَسيْني
ومن غزلياته قوله:
جفَت حِلالُ المَنامِ مُقْلتيَّهْ ... مُذ حَلَّ حبُّ الجمالِ مُهْجَتيَّهْ
وأحْرَق القلبَ حَرُّ نَارِ جَوىً ... وخَدَّد الخدَّ حَرُّ دَمْعَتيَّهْ
فما تغنَّى الحمامُ في غُصُنٍ ... إلاّ وسال الدِّما بوجْنَتيَّهْ
ولا تذكَّرْتُ جِيرةً نزلُوا ... بالشِّعْبِ إلاّ نسِيتُ صِحَّتيَّهْ
يا جِيرة الشِّعْبِ هل لِبُعْدِكمُ ... حَدٌّ يُرَى أم يُطيلُ مُدَّتيَّهْ
نأيْتمُ والحشَا به حُرَقٌ ... فقطَّر الدمعَ فَرْطُ حُرْقَتيَّهْ
فما نسِيتُ العهود بعدكمُ ... ولا تحوَّلْتُ عن مَحبَّتيَّهْ
ولستُ أسْلوكمُ وحقِّكمُ ... هيْهاتَ زال الهوى بسَلْوَتيَّهْ