ما ماسَ بَانُ الحِمَى مِن نَسْمةِ السَّحَرِ ... إلاّ وقد أسْمَعْته طَيِّبَ الخَبَرِ
باللهِ يا نَسْمةَ الأسْحارِ هل خَبَرٌ ... فإنني بالنَّبَا أَوْلَى من الشجرِ
ليلِي بما طال لا آوِي إلى سَكَنٍ ... هذِي نجومُ السما تُنْبِيكِ عن سَهَرِي
أباتُ أرْعَى السُّها في الليلِ مُكتئِباً ... وأدْمُعِي في الثرى ترْبُو على المطرِ
أفْدِي الذين أذاقوني مَودَّتهم ... حتى إذا ما رأَوْني هائمَ الفِكَرِ
ساروا بقَلْبِي وخَلَّونِي حَلِيفَ هوىً ... حَيْرانَ لا أهْتدِي وِرْداً من الصَّدَرِ
واللهِ إنّ لهم في القلبِ مَنْزلةً ... ما حَلّها قبْلَهم شخصٌ من البشَرِ
باللهِ يافَوْجُ صِفْنِي مُنْعِماً لهمُ ... واذْكُرْ لهم طِبْقَ ما شاهدتَ من خَبَرِ
وقُل لهم قد غَدا في حُبِّكم شَبَحاً ... يكاد يخفَى على الرَّائيِنَ بالبصرِ
لعلَّهم أن يرِقُّوا لي ويفْتكرُوا ... تلك الذِّمامَ التي في سالفِ العُمُرِ
ويرْحَمُوا مُدْنَفاً صَبّاً بهم كَلِفاً ... أسيرَ حُبٍ لهم في عالَمِ الصِّغَرِ
فاللهُ يُولِيهمُ عِزّاً ويحرُسهم ... مدَى الزمانِ من الأسْواءِ والغِيَرِ
وله ملغزاً في اسم علي:
أمَاتَ اصْطِبارِي حين أحيْى تولُّهِي ... رَشاً في رياضِ الحُسْنِ بالتِّيهِ يمْرَحُ
ثلاثةُ أرْباعٍ لوَصْفِي هو اسمُه ... فيا ليته بالوصلِ لو كان يسمَحُ
وله في يوم شديد الحر:
ويومِ حَرٍ دَهانَا ... ما فيه طِيبُ هَواءِ
قالوا نهارٌ قَوِيٌّ ... فقتلُ من غيرِ هاءِ
وله:
خَطُّ العِذارِ نَهانِي ... عن عِشْقِه حين دَبَّا
واللَّحْظُ بالعشقِ يُغْرِي ... والسيفُ أصْدَقُ أنْبَا
وله مضمنا:
يا قلبُ غرَّك محبوبٌ كلِفْتَ به ... حتى طمِعتَ بوصلٍ دونَه الخَطَرُ
وإن غُرِرتَ بمن تَهْوَى فلا عَجَبٌ ... ما أنت أولُ سارٍ غَرَّهُ قَمَرُ
إبراهيم بن يوسف المهتار فرد الزمان في فنه، أطاعه الأدب إطاعة قنه.
فحلق إلى الأوج بعد الحضيض، وحدق عن سر البلاغة جفنه الغضيض.
إن ذكرت الرقة فهو سوق رقيقها، أو الفصاحة فهو الذي نشأ في سفح عقيقها.
فلو سمع طرفة شعره الرقيق، صار له كأبيه العبد الرقيق.
إلا أن الأيام تلاعبت به تلاعب العابث، واستطالت عليه استطالة العائث.
فحمل من عقوقها ما ليس ينكر، وأقل من عثراتها ما ليس يذكر.
وهو أديبٌ كما وصفته، وشاعرٌ عرفت قدره فأنصفته.
فمن مختاره الذي أطلعه مورقاً جنيا، وألمع به لأهل الأدب مشرقاً سنيا.
قوله:
أرِحْ فؤادِي من العذابِ ... بالرَّاح والخُرَّدِ العِذابِ
وعاطِنِيها عروسَ دَنٍ ... كالنارِ والعَسْجَدِ المُذابِ
مِن كَفِّ لَمْياءَ إن تَبدَّتْ ... تَوارتِ الشمسُ بالحِجابِ
دَعْجاءُ بَلْجاءُ ذاتُ حُسْن ... لكلِّ أهلِ العقولِ سَابِي
على رياض مُدَبَّجاتٍ ... حاكت سُداها يدُ السَّحابِ
بها القَمارِي مُغرِّداتٍ ... على الأفانِين والرَّوابِي
فبادِرِ الأُنْسَ يا نَدِيمِي ... وقُمْ إلى اللهوِ والتَّصابِي
أعْطِ زمانَ الشبابِ حَظّاً ... فَلذّةُ العيشِ في الشّبَابِ
واجْسُرْ ولا تيْأسَنَّ يوماً ... من رحمةِ اللهِ في الحسابِظ
وقوله في صدر قصيدة:
قِفْ بالمعاهدِ من مَيْثاءَ مَلْحوبِ ... شَرقِيِّ كاظِمةٍ فالْجِزْعِ فاللُّوبِ
واسْتلْمِحِ البرقَ إذْ تبْدُو لَوامِعُه ... على النَّقا هل سقَى حَيَّ الأعاريبِ
يا حبَّذا إذْ بدا يفْتَرُّ مُبْتسِماً ... أعْلَى الثَّنِيَّةِ من شُمِّ الشّناخِيبِ