سَقاهُنَّ صَوْبُ الدمعِ منِّي ووَبْلُهُ ... منازلَ لا صَوْبُ الغمامِ ووابِلُهْ
يحُلُّ بها من لا أُصَرِّحُ باسْمِه ... غزالٌ على بُعْدِ المَزارِ أُغازِلُهْ
تقسَّمه للحُسْنِ عَبْلٌ ودِقَّةٌ ... فَرَنَّ وِشاحاه وصُمَّتْ خَلاخِلُهْ
وما أنا بالنَّاسِي لياليَ بالحِمَى ... تقضَّتْ ووِرْدُ العَيْشِ صَفْوٌ مَناهِلُهْ
لياليَ لا ظَبْيُ الصَّرِيمِ مُصارِمٌ ... ولا ضاق ذَرْعاً بالصدودِ مُواصِلُهْ
وكم عاذلٍ قلبي وقد لَجَّ في الهوى ... وما عادلٌ في شِرْعةِ الحبِّ عاذِلُهْ
يلومون جَهْلاً بالغرامِ وإنما ... له وعليه بِرُّه وغَوائِلُهْ
فاللهِ قلبٌ قد تمادَى صَبابةً ... على اللَّوْمِ لا تنْفكُّ تغْلِي مَراجلُهْ
وبالحِلّةِ الفيْحاءِ من أبْرُقِ الحِمَى ... رَداحٌ حَماها من قَنا الخَطِّ ذابِلُهْ
تمِيسُ كما ماس الرُّدَيْنِيُّ مائداً ... وتهْتزُّ عُجْباً مثلَما اهْتزَّ عاملُهْ
مُهَفْهَفةُ الكَشْحَيْنِ طاويةُ الحَشَا ... فما مائدُ الغُصْنِ الرَّيِبِ ومائلُهْ
تعلّقْتُها عَصْرَ الشَّبِيبةِ والصِّبا ... وما علِقتْ بي من زمانِي حَبائلُهْ
حذِرْتُ عليها آجِلَ البُعْدِ والنَّوَى ... فعاجَلنِي من فادِحِ البَيْنِ عاجلُهْ
إلى اللهِ يا أسْماءُ نفساً تقطَّعتْ ... عليكِ غراماً لا أزال أُزاوِلُهْ
وخطبٍ بِعَادٍ كلَّما قلتُ هذه ... أواخِرُه كرَّتْ عليَّ أوائلُهْ
لئن جار دهرٌ بالتفرُّقِ واعْتدَى ... وغال التَّدانِي من دَهَا البَيْنِ غائلُهْ
فإنِّي لأرجُو نَيْلَ ما قد أمَلْتُه ... كما نال من يحيى الرَّغائبَ آمِلُهْ
وخاطب أخاه أيضاً بقوله:
وما شوقُ مَقْصوصِ الجناحيْن مُقْعَدٍ ... على الضَّيْمِ لم يقدِرْ على الطيرانِ
بأكْثرَ من شوقِي إليك وإنما ... رَماني بهذا البُعْدِ عنك زَمانِي
جمال الدين محمد بن أحمد الشاهد شاعر بيض وجه الصحائف بسواد نقسه، وكاتب أقام على فضله شاهداً كألف شاهدٍ من نفسه.
فإذا أخذ القلم بيمينه، جاء من معدن الدر بثمينه.
وكان في رونق حداثته، وملاحة نفاثته.
حيث برد شبابه قشيب، ومسك ذوائبه لم يدر فيه كافور مشيب.
حليف كأسٍ وأليف دن، وله التصابي شغلٌ والخلاعة ديدن.
لا ينتقل من خمارٍ إلا إلى خمار، ولا يقلع عن هوى ذي عمامة إلا إلى هوى ذات خمار.
حتى بدت الشعرات البيض، وأخذت تفرخ في العارض وتبيض.
ولم يبق في إناء العمر إلا صبابة، يتدارك بها ما فات أيام لهو وصبابة.
فأصبح شيخ سجادة ومحراب، بعد أن كان فتى دسكرةٍ وشراب.
ومقتفى إنابة ودعا، بعد أن كان متروك إناءٍ للراح ووعا.
قال السيد علي بن معصوم في سلافته: وبلغني أن الراح أورثت يده رعشة؛ لتعاطيه لها، فقلت:
لا تحسَبوا الرَّاح أورثتْ يدَه ... من سُوئِها رَعْشةً لها اضْطَرابَا
لكنه لا يزال يَلْمَسُها ... فالكَفُّ تهْتزُّ دائماً طَرَبَا
ومما يقارب هذا قول الشهاب:
أقولُ لِمُدْمِن الرَّاح الذي ارْتعشَتْ ... كَفّاه إذْ راح من ثَوْبِ التُّقَى عارِي
كأن كفّك مَقْرورٌ برَعْشتِه ... وليس يصْلَى بغير الكأسِ من نارِ
وأنا أقول: الأنسب أن ينشد بعد توبته ما اختلسته من قول البعض:
لَعَمْرُكَ ما اهْتزَّتْ له الكفُّ رَعْشةً ... ولكنْ أرداتْ أن ينامَ خُمارُهُ
على أنَّ فيها الكأسَ يرقُص فَرْحةً ... بذِكْرَى زمانٍ طاب فيها قَرارُهُ
وقد ذكرت من شعره ما يشوق ويروق، وتحسده شمس الكأس وشمس الأفق في غروب وشروق.
فمن ذلك ما راجع به السيد أحمد بن مسعود، وقد كتب إليه: