وشادِنٍ وافَى وكان خُلْسةً ... من بَعْدِ ما أرَّقني بمَطْلِهِ

لمَّا بدا مُحْتجِباً بمِرْطِه ... كيْما يَنِمَّ ضَوْءُه لأهلِهِ

قلتُ له البدرُ إذا الغَيْمُ غَشَى ... أنْوارَه ترجُو الورَى لِوَبْلِهِ

فقال لي مُسْتضحِكاً يهْزأُ بي ... ما أحسنَ الشّاهِدَ في مَحَلِّهِ

يا جمال العلم والأدب، والناس إليهما من كل حدب.

أشرف على هذه الأبيات، وحل عاطلها بفوائد الصفات.

وإن استدعيتنا إلى محلك ولا زال آهل، وكواكب أفقه بوجودك زاهرة ونجم أعدائك آفل.

قلنا: ما أحسن الشاهد في محله، ولا بدع أن يرجع الفرع لأصله.

والسلام.

فأجابه بقوله:

للهِ ما أبْدَتْ وماذا أبْدَعتْ ... من دُرِّ عِقْدٍ قد زَها مِن أهْلِهِ

بَدِيهةٌ لواحدِ العصرِ ومَن ... حاز المَعالي نَاشِياً كأصْلِهِ

نَظْمُ لآلٍ من مَلِيكٍ ماجِدٍ ... فاق الأُلَى هيْهات دَرْكُ مِثْلِهِ

شرَّفني بقطعةٍ من نَظْمِه ... أحْلَى من الحِبِّ وَفَى بوَصْلِهِ

أشار فيها أن يزُور منزلاً ... ما فيه إلاّ ما نَما من فضلِهِ

ما هُوَ إلاّ روضةٌ أمْطرَها ... ما سَحَّ من هامِي مَطِيرِ وَبْلِهِ

فإن يزُرْ شاهدَ معناه يقُلْ ... ما أحْسَن الشاهدَ في مَحَلِّهِ

ثم أعقب تالأبيات بنثرٍ، قال فيه: ناظم درها، وناسج حبرها.

وصلته الأبيات الشريفة، من الحضرة العالية المنيفة.

فحير عقله ما حبر منشيها، وأدهش لبه ما دبج موشيها.

فوالله لولا أن يقال غاليت، لكتبت تحت كل بيت: " فليعبدوا رب هذا البيت ".

كيف لا ومفترع بكرها مفترع الأبكار البديعة النظام، الفائقة بتقديمها على من تقدمها من شعراء الجاهلية والإسلام.

ليث بني هاشم الضراغم، واسطة عقد الأكارم ألي المكارم.

وحين سرحت طرف الطرف في ميدان رياضها، ونشقت عنبر عبيرها من نشر غياضها.

واكتحل ناظري بنير مدادها المرقوم، ورشف سمعي من رحيق معناها المختوم.

أنشدت، ولا بدع فيما أوردت:

فللهِ ما أدْرِي أزَهْرُ خَميلةٍ ... بطِرْسِك أم دُرٌّ يلُوح على نَحْرِ

فإن كان زَهْراً فهْو صُنْعُ سَحابةٍ ... وإن كان دُرّاً فهْو من لُجَّةِ البحرِ

وما لوح به سيدنا من زيارة العبد في الدار، التي هي وما فيها من بعض فضله المدرار.

فلسان الحال، ينشد هذا المقال:

قالوا يزورُك أحمدٌ وتزورُه ... قلتُ الفضائلُ لا تُفارِقُ مَنْزِلَهْ

إن زارني فبفضْلِه أو زُرْتُه ... فلفضلِه والفضلُ في الحاليْن لَهْ

أبو الفضل بن محمد العقاد ماذا أقول فيمن هو والفضل ابنٌ وأب، وقد تبلغ بالصنعة حتى فاق من درج ودب.

لقبه عقاد وهو لمشكلات القريض حلال، فإذا تفوه أو كتب سحر لكن بسحرٍ حلال.

دخل المغرب في عهد الملك المنصور، فنال حظوة يعترف لسان اليراعة عن حصر بواعثها بالقصور.

فهو ممن غرب وأغرب، وأدب فهذب.

وقابل تلك العصابة، بخاطرٍ قدح زند الإصابة، ورمى غرض الأماني فأصابه.

فكتب اسمه في حسنات الأيام، كما كتب شعره في حسنات الأنام.

فمن شعره الذي ناظر به نسيم الزهر في السحر، وباهى قضاء الوطر على الخطر.

قوله من موشحٍ مدح به السلطان المذكور:

ليت شِعْرِي هل أُروِّي ذا الظَّمَا ... من لَمَى ذاك الثُّغَيْرِ الألْعَسِ

وترى عيْنايَ رَبَّاتِ الحِمَى ... باهياتٍ بقُدودٍ مُيَّسِ

فقد طال بِعادِي والهوى ... ملَك القلب غراماً وأسَرْ

هَدَّ من رُكْنِ اصْطِباري والقُوَى ... مُبْدِلاً أجفانَ عيني بالسَّهَرْ

حين عَزَّ الوصل من وادِي طُوَى ... هَملتْ أدمعُ عينِي كالمطَرْ

فعساكم أن تجودُوا كَرَماً ... بِلقاكم في سَودِ الحِندِسِ

علّه يشفى كَلِيماً مُغْرَماً ... من جِراحاتِ العيونِ النُّعَّسِ

كلَّما جَنَّ ظلامُ الغَسَقِ ... هَزَّني الشوقُ إليكم شَغَفَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015