ولو أن الفؤادَ على هَواهُ ... تمَنَّى كان غايةَ ما تَمَنَّى

بكيْتُ دماً وحَنَّ إليه قلبِي ... فخضّب من دمِي كَفاً وحَنَّا

ألا يا صاحبَيَّ ترفّقا بي ... فإن البَيْنَ أنْصَبنِي وعَنَّا

ولم تُبْقِ النَّوَى لي غيرَ عَزْمٍ ... إذا حَفّتْ به المِحَنُ اطْمَأنَّا

وأُقْسِم ما الهوى غَرَضِي ولكنْ ... أُعَلِّلُ بالهوى قلباً مُعَنَّى

وأصْرِفُ بالتأنِّي صَرْفَ دهرِي ... وأعلمُ أن سيظْفَرُ مَن تأنّى

وأدْفَعُ فادحاتِ الخَطْبِ عنِّي ... بتفْويضٍ إذا ما الخَطْبُ عَنَّا

ولا واللهِ لا أرْجُو لِيُسْرِي ... وعُسْرِي غيرَ من أغْنَى وأقْنَى

أخوه محمد يحيى غصن طيب النما، أشبه بأخيه من الماء بالما.

فهو الرمح وأخوه سنانه، وكلاهما في حومة الأدب فارسٌ أطلق عنانه.

وكان رحل إلى أبيه للهند، فأقام في كنفه يتأدب بآدابه، وكانت ملازمته من دابه.

ولم يزل من كفايته في ظلٍ غير مقلص، ومن حفايته في موردٍ غير منغص.

حتى غرب نجمه في إبان استنارته، وخسف بدره في بدء استدارته.

فأضحى ناظر الأدب لفقده رمدا، وقلب الأماني لحينه متفجعاً كمدا.

وقد ظفرت من شعره بما هو أغر من الصدغ المرسل، وأعذب من الرحيق السلسل.

فدونك منه ما لا يجد خاطرك فيه تعسفا، غير أني أراك تكثر على قلته تأسفا:

تذكّرتُ أيامَ الحَجِيجِ فأسْبَلَتْ ... جفوني دِماءً واستَجدّ بيَ الوَجْدُ

وأيَّامَنا بالمَشْعَريْنِ التي مَضتْ ... وبالخَيْفِ إذْ حادِي الركاب بنا يحْدُو

وقوله أيضاً:

ألا يا زماناً طال فيه تباعُدي ... أما رحمةٌ تدْنُو بها وتجودُ

لألْقَى الذي فارقتُ أُنْسِيَ مذ نأَى ... فها أنا مسلوبُ الفؤادِ فرِيدُ

وقوله:

ألا لا سقَا الله البعادَ وَجوْرَهُ ... فإن قليلاً منه عنك خطيرُ

وواللهِ لو كان التَّباعُدُ ساعةً ... وأنت بعيدٌ إنه لكثيرُ

وكتب إلى أخيه من قصيدة طويلة، أولها:

أقِلْ أيُّهذا القلبُ عمَّا تُحاولُهْ ... فإنك مهما زِدْتَ زاد تَشاغُلُهْ

دَعِ الدهرَ يفعلْ كيف شاء فقلَّما ... يرُوم امْرُؤٌ شيئاً وليس يُواصِلُهْ

وما الدهرُ إلاَّ قُلَّبٌ في أمورِه ... فلا يغْترِرْ في الحالتيْن مُعامِلُهْ

ويا طالَما طاب الزمانُ لِواجِدٍ ... فسَرَّ وقد ساءتْ لَدَيْه أوائلُهْ

سقَى ورعَى اللهُ الحجازَ وأهلَه ... مُلِثّاً تعُمُّ الأرضَ سَقْياً هَواطِلُهْ

فإن به داري ودارِي عَزِيزةٌ ... عليَّ ومهما أشْغَل القلبَ شاغِلُهْ

ولكنَّ لي شوقاً إلى خُلَّتي التي ... متى ذُكِرتْ للقلبِ هاجتْ بَلابِلُهْ

أبِيتُ ولي منها حَنِينٌ كأنني ... طَرِيحُ طِعانٍ قد أُصِيبَتْ مَقاتلُهْ

هَوىً لكِ ما ألْقاه يا عَذْبةَ اللَّمَى ... وإلاّ فصَعْبٌ ما أتى اليوم حامِلُهْ

أُكابِدُ فيك الشوقَ والشوقُ قاتِلي ... وأسألُ عمَّن لم يُجِبْ مَن يسائِلُهْ

تَقِي اللهَ في قَتْلِ امْرِىءٍ طال سُقْمُه ... وإلاّ فإن الهجرَ لاشكَّ قاتلُهْ

صِلِيه فقد طال الصُّطودُ فقلّما ... يعيش امْرُؤٌ والصدُّ ممَّا يقاتلُهْ

حَزِينٌ لِمَا يْلقاه فيك من الجَوى ... فها هو مُضْنىً مُدْنَفُ الجسمِ ناحِلُهْ

بلَى إن يكنْ لي من عليٍ وعَزْمِه ... مُعِينٌ فإنِّي كلَّ ما شئتُ نائِلُهْ

فراجعه بقوله:

إليك فقلبي لا تقَرُّ بَلابِلُهْ ... إذا ما شدَتْ فوق الغصونِ بلاَبلُهْ

تُهيِّجُ لي ذِكْرَى حبيبٍ مُفارِقٍ ... زَرُودُ وحُزْوَي والعقيقُ مَنازلُهْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015