بِنْتُ كَرْمٍ كَرُمتْ أوصافُها ... أيُّ نَبْتٍ قام عنها العِنَبُ

وقوله معارضاً قصيدة أبي العلاء المعري، التي أولها:

هاتِ الحديثَ عن الزَّورَاءِ أوهِيتَا ... ومُوِقَدِ النَّارِ لا تكْرَى بتَكْرِيتَا

وقصيدته هي هذه:

يا حادِيَ الظُّعْنِ إن جُزْتَ المواقِيتَا ... فحَيِّ مَنْ بِمِنىً والْخَيْفَ حُيِّيتَا

وسَلْ بجَمْعٍ أَجْمعُ الشَّمْلِ مَلتئِمٌ ... أم غالَه الدَّهرُ تفْرِيقاً وتشْتيتَا

والْثَم ثَرَى ذلك الوادي وحُطّ به ... عن الرِّحالِ تنَلْ يا صاحِ ما شِيتَا

عهْدِي به وثَراهُ فائحٌ عَبِقٌ ... كالمِسْكِ فتَّتَه الدَّارِيُّ تفْتِيتَا

والدُّرُ ما زال من حَصْبائِه خَجِلاً ... كأنَّ حَصْباءَه كانت يَواقيتَا

يؤُمُّه الوَفْدُ مِن عُرْبٍ ومن عجمٍ ... ويسبُرون له البِيدَ السَّبارِيتَا

يطْوُون عُرْضَ الليالِي طُولَ ليلِهمُ ... لا يهْتدون بغير النَّجْمِ خِرِّيتَا

من كلِّ مُنْخَرِق السِّرْبالِ تحسَبُه ... إذا تَسَرْبَل بالظَّلْماءِ عِفْريتَا

لا يطْعَم الماءَ إلاّ بَلَّ غُلّتِه ... ولا يذُوق سِوى سَدِّ الطُّوَى بِيتَا

يفْرِي جُيوبَ الفَلا في كلِّ هاجِرةٍ ... يُماثِل الضّبُّ في رَمْضائِها الحُوتَا

ترى الحصَا جَمَراتٍ من تلهُّبها ... كأنما أُوقِدتْ في القَفْرِ كبْرِيتَا

أجاب دَعْوةَ داعٍ لا مَرَدَّ له ... قَضى على الناسِ حَجَّ البَيْت تَوْقيتَا

يرجو النَّجاةَ بيومٍ قد أهاب به ... في موقفٍ يدَعُ المِنْطيقَ سِكِّيتَا

فسار والعَزْمُ يطْوِيه وينْشُره ... يُنازِل البَيْن تصْبِيحاً وتبْييتَا

حتى أناخَ على أُمِّ القُرَى سَحَراً ... وقد نضَا الصبحُ للظّلْماءِ إصْليِتَا

فقام يقْرَعُ بابَ العَفْو مُبتهِلاً ... لم يخْشَ غيرَ عتابِ اللهِ تبْكِيتَا

وطَاف بالبيتِ سَبْعاً وانثنى عَجِلاً ... إلى الصَّفا حاذِراً للوقْتِ تفْوِيتَا

وراح مُلْتَمِساً نَيْلَ المُنَى بِمِنىً ... ولم يخَفْ غيرَ حِلّ الْخَيفِ تعْنِيتَا

وقام في عَرَفاتٍ عارفاً ودعَا ... رَبّاً عَوارِفُه عَمَّتْه ترْبيتَا

وعاد منها مُفِيضاً وهْو مُزْدَلِفٌ ... يرْجُو من اللهِ تمكِيناً وتثْبِيتَا

وبات للجَمَراتِ الرُّقْشِ مُلْتقِطاً ... كأنه لاقِطٌ دُرّاً ويَاقوتَا

وحين أصْبَح يومَ النَّحرِ قام ضُحىً ... يُوفِي مَناسِكَه رَمياً وتَسْبيتَا

وقرَّبَ الهَدْيَ تَهْدِيه شرائعُه ... إلى الهُدَى ذاكِراً لله تسْمِيتَا

وملأَّتْه الليالي الْخَيفَ بَهْجتَها ... فَحجَّ للدِّين والدنيا مَواقِيتَا

حتى إذا كان يومُ النَّفْرِ نَفّرَه ... وجَدَّ ينكُث في الأحْشاء تَنْكيتَا

ثم اغْتدَى قاضِياً من حَجِّه تَفَثاً ... يرجُو لتزكيةِ الأعمالِ تَزكِيتَا

وودَّع البيتَ يرْجو العَوْدَ ثانيةً ... وليْته عنه طولَ الدهرِ ما لِيتَا

وأمَّ طَيْبَة مَثْوى الطّيِّبين وقد ... ثَنَى له الشوقُ نحْوَ المصطفى لِيتَا

فواصَل السيرَ لا يلْوِي على سَكَنٍ ... أزاد حُبّاً له أم زاد تمْقِيتَا

حتى رأى القُبَّة الخضراءَ حاكِيةً ... قصراً من الفَلَك العُلْوِيِّ مَنْحوتَا

فقبَّل الأرضَ من أعْتابِ ساحتِها ... وعفَّر الخدَّ تعْظِيماً وتشْمِيتَا

حيث النبُوَّةُ ممدودٌ سُرادِقُها ... والمجدُ أنْبَته الرحمنُ تنْبِيتَا

مَقامُ قُدْسٍ يحارُ الواصِفون له ... ويرجِعُ العقلُ عن عَلْياه مَبْهوتَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015