ثم قبضه الله إليه، فانقبضت القلوب حزناً عليه.

فتباً لدهرٍ لم يف بضمانه، ولم يصدق بأمانه.

فيسترجع معاره، ويشن مغاره.

وهكذا الدنيا دول، وما يغني الحول فيها ولا الخول.

وقد وقفت له على أشعار نقشها فكره وزخرفها، وحبر وشيها في بلاد الهند وفوفها.

فأثبت منها ما يعظم وقعه عند الاختبار ولا يقع عليه النظر إلا وقع عليه الاختيار.

فمن ذلك قوله من قصيدة:

مُثِيرُ غرامِ المُسْتهامِ ووَجْدِهِ ... وَمِيضٌ سرَى من غَوْرِ سَلْع ونَجْدِهِ

وبات بأعْلَى الرَّقْمتيْن الْتهابُه ... فظلَّ كئيباً من تذكُّرِ عَهْدِهِ

يحِنُّ إلى نحو اللِّوَى وطُوَيْلعٍ ... وبَاناتِ نَجْدٍ والحِجازِ ورَنْدِهِ

وضَالٍ بذات الضَّالِ مُرْخٍ غُصونَه ... تفيَّأه ظَبْيٌ يَميِيسُ ببُرْدِهِ

يَغار إذا ما قِسْتُ بالبدرِ وَجْهَه ... ويغضَب إن شبَّهتُ وَرْداً بخدِّهِ

كثيرُ التَّجنِّي ذو قَوامٍ مُهَفْهَفٍ ... صَبِيحُ المُحيَّا ليس يُوفِي بوَعْدِهِ

مَلِيحٌ تَسامَى بالمَلاحةِ مُفْرَداً ... كشمسِ الضُّحى كالبدرِ في بُرْجِ سَعْدِهِ

ثَناياه بَرْقٌ والصَّباحُ جَبِينُه ... وأما الثُرَيَّا قد أُنِيطتْ بِعقْدِهِ

فمِن وَصْلهِ سُكْنَى الجنانِ وطِيبُها ... ولكنْ لَظَى النِّيرانِ من نارِ صَدِّهِ

تَراءَى لنا بالجِيدِ كالظَّبْيِ تالِعاً ... أسارَى الهوى مِن حُكْمِه بعضُ جُنْدِهِ

روَى حُسْنَه أهلُ الغرامِ وكلُّهم ... يَتِيهُ إذا ما شاهدوا ليلَ جَعْدِهِ

يُعَنْعِنُ علمَ السحرِ هاروتُ لَحْظِه ... ويَرْوِي عن الرُّمَّانِ كاعبُ نَهْدِهِ

مَضاءُ اليَمانِيَّاتِ دون لِحاظِه ... وفِعْلُ الرُّدَيْنِيَّاتِ من دون قَدِّهِ

إذا ما نَضا عن وجهِه البدرِ حُجْبَه ... صَبا كلُّ ذي نُسْكٍ مُلازِمُ زُهْدِهِ

وأبْدَى مُحَيّاً قاصِراً عنه كلُّ مَن ... أراد له نَعْتاً بتَوْصِيفِ حَدِّهِ

هو الحُسْن بل حسنُ الوَرى منه مُجْتدىً ... وكلُّهم يُعزَى لجَوْهرِ فَرْدِهِ

وما تفْعل الرَّاحُ العَتِيقةُ بعضَ ما ... بمَبْسَمِه بالمُحْتسِي صَفْوُ وِرْدِهِ

وقوله في مليح اعتل طرفه:

يا جَوْهراً فَرْداً عَلاَ ... من أين جاءَك ذا العَرَضْ

وعلى مَ طَرْفُك ذا المري ... ضُ أعَلَّهُ هذا المَرَضْ

عهدِي به مِمَّا يُصِي ... بُ فكيف صار هو الغَرَضْ

ها قلبيَ المَعْمودُ نُصْ ... بٌ للنَّوائب يَرْتكِضْ

فاجْعَلْه يا كُلَّ المُنَى ... بَدَلاً لِمَا بك أو عِوَضْ

فاسْلَمْ مَدَى الأيَّام يا ... ذَا الحُسْنِ ما بَرْقٌ وَمَضْ

فمُذِ اعْتلَلْتَ أخا المَها ... في الطَّرْفِ جَفْنِي ما غَمَضْ

ونَحِيلُ جسمي مُذْ وَنَيْ ... تَ وحَقِّ عَيْنِك ما نَهَضْ

أنتَ المُرادُ وليس لي ... في غيرِ وَصْفِك من غَرَضْ

وله مشجرا:

خِلْتُ خالَ الخدِّ في وَجْنتِهِ ... نُقْطةَ العَنْبَرِ في جمرِ الغَضَا

دامتِ الأفراحُ لي مُذْ أبْصَرتْ ... مُقْلتِي صُبْحَ مُحَيّاً قد أضَا

يتمنَّى القلبُ منه لَفْتةً ... وبهذا اللَّحْظِ للعينِ رِضَا

جاهلٌ رام سُلُوّاً عنه إذْ ... حظَر الوصلَ وأوْلاني الفَضَا

هامتِ العينُ به لمَّا رأتْ ... حُسْنَ وجهٍ حين كُنَّا بالإِضَا

وقال في الغزل:

سلوا بطن مَرٍ والغَمِيمَ ومَوْزعَا ... متى اصْطافَها ظَبْيُ النَّقَا وترَبَّعَا

وهل حَلَّ من شَرْقِّيها أرضَ هَجْلَةٍ ... وقد جادَها مُزْنٌ فسال وأمْرَعَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015