يا مَن هو الأَوْلى بكلِّ مُؤْمنٍ ... من نفسهِ من سائرِ العبادِ

أحْنتْ عليَّ حَوبةٌ جَنيْتُها ... قد جَرَّعتْني غُصَصَ البِعادِ

وعرَّضتْني هدَفاً لأسْهُمٍ ال ... إعراضِ لا أخلُو من العَوادِي

وأخْلَقتْ صَبْرِي وجَدَّ مَطْمَعي ... في أَن أُرَى في هذه النوادِي

وضاق ذَرْعي فذَرِيعتي إلى ... رِحابِك الفَيْحاء شَوْقٌ حَادِي

فحُلَّ عَقْدِي يا مَلاذِي مثلَما ... حَللْتَ عَقْدَ العُسْرِ بالإنْقادِ

وأطْلِق القَيْدَ المُحيطَ عَلَّنِي ... في سُوحِكم أنْفَكُّ عن قِيادِي

فأنت كَهْفُ المُلْحِفِين في الوَرى ... وغيرِهم من زُمَرِ القُصَّادِ

وأنت بابُ اللهِ كلُّ مَن أتى ... مِن غيرهِ يُسامُ بالإبْعادِ

فمن دنَا مِن سُوحِه مُلْتمِساً ... بادرَهُ العفوُ إلى المُرادِ

وعَمَّه الفضلُ فقال شاكراً ... قد كثُرتْ ذخائرُ الفُؤادِ

صلَّى عليك اللهُ ما تَلأْلأتْ ... صِفاتُك البِيضُ على السَّوادِ

محمد بن أحمد المنوفي هو في المقام خليفة الشافعي، وكلامه في العلوم كافي المهم وشافي العي.

وكان آيةً في قوة الحافظة، قائماً في الإفادة بوظيفتي المثابرة والمحافظة.

ودخل الروم فقام الدهر بحقوقه، ولم يشب بره بعقوقه.

فاخضرت بالإدرارات أكنافه، وتجملت أنواع رعيه وأصنافه.

إلا أنه عارضه الأجل في طريقه، وأغصته إذ ساغت له أمانيه بريقه.

فقبضه الله بالشام إليه، فلا زالت رحمة الله منهلة عليه.

قال سبطه ابن معصوم: ولا يحضرني الآن من شعره غير ما رأيته منسوباً إليه بخط سيدي الوالد:

عَتبْتُ على دهرِي بأفعالِه التي ... أضاقَ بها صدرِي وأضْنَى بها جِسْمِي

فقال ألم تعلمْ بأن حَوادثِي ... إذا أشْكلتْ رُدَّتْ لمن كان ذا عِلْمِ

وهذان بيتان لا يشيد مثهلما إلا من شاد ربوع الأدب، وسارع لاقتناص شوارد القريض وانتدب.

وهما نموذج براعته وبلاغته، واقتداره على سبك إبريز الكلام وصياغته.

وقد صدرتهما وعجزتهما، فقلت:

عَتبْتُ على دهرِي بأفعالِه التي ... بَراني بها بَرْيَ السِّهامِ من الهَمِّ

ليصْرِف عني فَادحاتِ نوائبٍ ... أضاق بها صدْرِي وأضْنَى بها جسْمِي

فقال ألم تعلمْ بأن حَوادثِي ... وأخْطارَها اللاتي تُلِمُّ بذِي الفَهْمِ

يضِيقُ بها ذُو الجهلِ ذَرْعاً وإنما ... إذا أشْكلتْ رُدَّتْ لمن كان ذا عِلْمِ

ولده عبد الجواد فاضل البيت بعد أبيه النبيه، وأشبه من تصدر في مركز العزة فقيد المثيل والشبيه.

اشتملت عليه دولة آل الحسن، اشتمال الفم على اللسان، والمقلة على الإنسان.

وقامت فضائله في رياض محامدها تلو آية البيان، بما تردد بين السمع والعيان.

وهو أديبٌ عرف بكمال الفطنة من حين المهاد، وله خلالٌ كلها روضٌ قريب العهد من صوب العهاد:

فتىً صَفَتْ من القَذَى مَواردُهْ ... وانْتثرتْ في رَوضِه فَرائدُهْ

مَبْذُولةٌ لوفدِه فوائدُهْ ... شاهدةٌ بفضلهِ مَشاهِدُهْ

منظومةٌ من شُكْرِه قلائدُهْ ... يحمِدُهُ وَلِيُّه وحاسدُهْ

وله شعر حسن الأسلوب، يرف على مائة ريحان القلوب.

فمنه قوله، من قصيدة يمدح بها الأمير محمد بن فروخ أمير الركب الشامي.

مستهلها:

لأيِّ كَمالٍ من كمالِك أذْكُرُ ... وأيِّ جميلٍ من جميلِك أشْكُرُ

ألِلسَّابقِ الآتِي به أنت لاحقاً ... أم اللاحقِ التَّالي له يتكرَّرُ

تحيَّرتُ في هذا الكمالِ ولم أزَلْ ... أنا والنُّهَى في ذا البَها نتحيَّرُ

جَمعتَ كمالاً في سِواك مُفرَّقٌ ... وأنت به فَرْدٌ وجمعُك أكثرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015