ومن لآليه المذكورة قوله:

لا تَجْهَلَنْ قَدْراً لنفسِكَ إنّها ... عُلْوِيَّةٌ تَرْقَى لما هو شِبْهُهَا

والنفسُ كالمِرْآةِ يَصْقُلُهَا التُّقَى ... فَسْراً ويُظْلِمُ بالمعاصي وَجْهُهَا

وقوله:

في المَنْعِ والإعْطَاءِ كُنْ شاكِرَا ... واستقْبِلِ الكلَّ بوجهِ الرِّضَا

فالخيرُ للعارفِ فيما جَرى ... ورُبَّ مَنْعٍ كان عينَ العَطا

وقوله:

إذا الْتَبَسَ الأمرانِ فالخيرُ في الذي ... تَرَاه إذا كلَّفْتَه النفسَ تَثْقُلُ

فجانِبْ هَواها واطَّرِحْ ما تُرِيدُه ... من اللهوِ واللَّذَّاتِ إن كنتَ تعْقِلُ

وهذا من قول الأحنف بن قيس: كفى بالرجل رأياً إذا اجتمع عليه أمران، فلم يدر أيهما الصواب، أن ينظر أعجبهما إليه، وأغلبهما عليه؛ فيحذره.

وقريب منه قول أبي الفتح البستي:

وإن همَمْتَ بأمرٍ ... ولم تُطِقْ تخْريجَهْ

فقِسْ قياساً صحيحاً ... واحكُم بضدِّ النتيجَهْ

ومن الحكم المروية عن أبي العلاء المعري: الخير كل الخير فيما أكرهت النفس الطبيعية عليه، والشر كل الشر فيما أكرهتك النفس الطبيعية عليه.

ومن مقاطيعه في الغزل قوله:

وظَبْيٍ نافرٍ ممَّا أراهُ ... يَذِلُّ لحُسْنِه الملِكُ المَهِيبُ

عرفتُ مِزاجَه فانْقادَ طَوْعاً ... ومَن عرَف المِزاجَ هو الطبيب

وقوله:

وأهْيَفٍ كالسيفِ ألْحاظُه ... وقَدُّه العَسَّالُ كالسَّمْهَرِي

أخْجَلنِي ثَغْرٌ له باسمٌ ... فاعْجَب لثَغْرٍ يُخْجِلُ الجَوْهَرِي

وقوله:

قال عَذُولِي إذْ رأَى ... أخَا الغزالِ الأعْفَرِ

هذا الذي مَبْسَمُه ... فتَّتَ قلب الجَوْهَرِي

وقوله:

جرَح اللَّحْظُ خالَ خَدِّ غُلامٍ ... فضَح الْبَان قَدَّه باعْتدالِهْ

فإذا ثار طاعِناً لفؤادِي ... قال خُذْها من طالبٍ ثَارَ خَالِهْ

وقوله:

تذكَّرتُ إذْ الحَجيجُ بمكَّةٍ ... ونحن وقوفٌ ننْظُر الرَّكْبَ مُحْرِمَا

فصرْتُ بأرضِ الهندِ في كل مَوْسمٍ ... يُجدِّد تَذْكارِي لقَلبيَ مأْتَمَاَ

وقوله:

ولو أنَّ أرضَ الهنْدِ في الحُسْنِ جَنَّةٌ ... وسُكَّانَها حُورٌ وأمْلِكُها وَحْدِي

لَما قِسْتُها يوماً بَبطْحاءِ مكةٍ ... ولا اخترتُ عن سُعْدَى بديلاً هَوى هندِ

وقوله:

وقالوا بالْمَخَا خيرٌ كثيرٌ ... فقلتُ صدقتمُ وبها الأمانُ

ولكن حَرُّها يشْوِي البَرايا ... ولولا الرِّيقُ لاحْترق اللِّسانُ

وقوله:

شبَّهتُ أمواجَ بحرِ الهندِ حين رسَتْ ... به السَّفائنُ من هندٍ ومن صِينِ

بأسْطُرٍ فوق قِرْطاسٍ قد انْتسقَتْ ... والسُّفْنُ فيه عَلاماتُ السَّلاطينِ

وقوله:

إذا تكنْ ناقِداً للرجالِ ... وصاحبْتَ مَن لا له تعرفُ

فخالِفْه في بعضِ أقوالِه ... فإنك عن خُلْقهِ تكشِفُ

أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن عبد الرءوف بن يحيى الواعظ لوذعيٌّ وجه أدبه سافر، وخبر نباهته فيما بين الخافقين مسافر.

له كلف بالفنون وعناية، مع ديانة ارتدى بردائها وصيانة.

فمجده مشنف من عقد الثريا، ولديه من نسج السجية ما يهزأ ببرد الروضة الريا.

وأما أدبه فله رواء الوجوه الحسان، وله شعرٌ أفرغ في قالب الحسن والإحسان.

فمنه قوله من نبوية:

يا صاحبِيَّ حَقِّقا مِيعادِي ... وانْطلِقا لأخْصَبِ الوِهادِ

ولاحِظاني في السُّرَى فإنني ... نِضْوُ هوىً مُقرَّحُ الأكْبادِ

قد ترك الجَفْنَ مَفازةً فلا ... يضْوِي إليه وافدُ الرُّقادِ

وضَلَّ شَرْخُ العمرِ في بياضٍ ... اشْرَق من أشِعَّةِ الأفْوادِ

فعرِّجا بمَسْرحِ السُّرْبِ الذي ... ليس له مَرْعىً سوى فؤادِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015