ولا تُهِنْه أن تُرَى سائلاً ... فشأْنُ أهلِ العلم أن يُسْئَلُوا
وقوله:
جانبِ اللهوَ والبَطالةَ واحْذَرْ ... مِن هوَى النفسِ إن أردتَ السَّعادَهْ
واعبُد اللهَ ما استطعتَ بصدقٍ ... مَطْلبُ العارفين صِدْقُ العبادَهْ
وقوله:
قُلْ للذي يبْتغِي دليلاً ... من غير طُولٍ على المُهَيْمِنْ
ما ذَرَّةٌ في الوجودِ إلاَّ ... فيها دليلٌ عليه بَيِّنْ
وقوله في الغزل:
ولقد سقتْنا البابِليَّةُ إذْ رأتْ ... أنَّا نُحدِّثُها لِنَسْبُرَ حُسْنَهَا
خَمْراً أدارتْها العيونُ فأذْهَبتْ ... مِنَّا العقولَ ولم تُفارِقْ دَنَّهَا
وقوله:
لمَّا بدا البدرُ يجْلُو ... دُجَى الظلامِ وأسْفَرْ
ذكرتُ وجهَ حبيبي ... والشيءُ بالشيءِ يُذْكَرْ
وقوله:
وأسْمَحُ الناسِ كَفّاً ... مَن لا يقولُ ويفعلْ
وأعْذَبُ الشِّعْرِ بيتٌ ... يرْوِيه عَذْبُ المُقبَّلْ
وقوله:
لا تعذِلونِيَ في وقتِ السَّماع إذا ... طرِبتُ وَجْداً فخيرُ الناسِ مَن عَذَرَا
حتى الجمادُ إذا غنَّتْ له طَرَبٌ ... أمَا ترى العودَ طَوْراً يقْطعُ الوَتَرَا
وقف بعض أدباء عصره على هذين البيتين، فكتب إليه مقرظاً: وصل البيتان بل القصران فما ألفاظهما إلا الدر النظيم، فلا وحقك لم يفز بمثلهما العصران لا الحديث ولا القديم.
فلله درك، ما أحفل درك، وأبهج في أسلاك المعاني درك.
ولقد خاطبت بمعناهما عند سماعهما من عذل، وطربت لحسن سبكهما طرب من منح عند نشوته سبيك النضار وبذل.
بل طرب لهما حتى الجماد، ومن ذا الذي سمعهما وما ماد.
فالله تعالى يبقيك للأدب كهفاً يرجع إليه، وذخراً يعول عند اشتباه الألفاظ والمعاني عليه.
وقد نظمت البارحة أبياتاً في العود، أحببت أن تلاحظها بملاحظتك لها السعود.
وهي:
وعُودٌ به عُودُ المَسَرَّةِ مُورِقٌ ... يُغَنِّي كما غَنَّتْ عليهِ الحمائمُ
إذا حرَّكتْ أوتارَه كَفُّ غادَةٍ ... فسِيَّانِ من شوقٍ خَلِيٌّ وهائمُ
يُرَنّحُ مَنْ يُصْغِي إليهِ صبابةً ... كما رَنَّحَتْهُ في الرِّياضِ النَّسَائِمُ
فراجعه بقوله: يا مولاي الذي إن عد أرباب المجد عقدت عليه الخناصر، وإن ذكر أصحاب الفضل فلا يدانيه متقدم ولا معاصر.
لو أمدني ابن العميد وأضرابه، والصاحب بن عبادٍ وأصحابه.
ما استطعت تقريظ أبياتك الأبيات إلا منك، الممتنعات إلا عنك.
فأنت فريد دهرك، ولا أقول في هذا الفن، ووحيد عصرك، وليس ذلك عن ظن.
وقد دعتني داعية الأدب، إلى أن أقول إن العود يفوق آلات الطرب.
فمدحته كما مدحته، ووصفته كما وصفته.
وقلت:
فاق كلَّ الآلاتِ في اللحْنِ عُودٌ ... حين تَعْلُو أصواتُهَا وتَرِنُّ
فكأن الحَمام دهراً طويلاً ... علّمَتْهُ ألْحَانَهَا وهْوَ غُصْنُ
قلت وهذا من قول أبي الفضل أحمد بن يوسف الطيبي:
من أين للعُود هذا الصوتُ تأخذُه ... أطْرافُهُ بأطَاريفِ الأناشيدِ
أظُنُّ حينَ نَشَا في الدَّوْحِ علَّمه ... سَجْعُ الحمائِمِ تَرْجِيعَ الأغارِيدِ
ومثله قول معاصره الصفي الحلي:
وعُودٍ به عاد السرورُ لأنهُ ... حَوى اللهوَ قِدْماً وهْوَ رَيَّانُ ناعمُ
يُغَرِّبُ في تَغْرِيدِه فكأَنَّمَا ... يُعيدُ لنا ما ألَّفَتْهُ الحمائمُ
ولبعضهم فيه:
وعُودٍ له نوعانِ من لذَّةِ المُنَى ... فبُورِكَ جانٍ يجْتَنيهِ وغارِسُ
تغنّتْ عليه وهْوَ رَطْبٌ حمامةٌ ... وغنَّتْ عليه قَيْنَةٌ وهْوَ يابسُ
وأصله قول الوزير المغربي:
وطُنْبُورٍ مَليحِ الشكلِ يحكي ... بنَغْمَتِهِ الصَّلِيبةِ عَنْدَلِيبَا
رَوَى لما دَرَى نَغَماً فصيحاً ... حَواها في تقلُّبهِ قَضِيبَا
كذا مَنْ عاشَرَ العلماءَ طِفْلاً ... يكون إذا نَشَا شَيْخاً أدِيبَا