قد بدَتْ للكليمِ ناراً ولكنْ ... لا بحَصْرٍ فغاب بالتَّقْديسِ
وغَدا المَانَوِيُّ منها على رَأْ ... يٍ صحيحٍ لكن بلا تأسِيسِ
والنَّصارَى ظلَّتّ على صُوَرٍ شَتَّى ... فضلَّتْ برأْيها المعكوسِ
قيَّدُوا مُطلَق الجمالِ فباتُوا ... في قيودِ الشَّمَّاسِ والقِسِّيسِ
كيف مَن قيَّدتْ تُقيَّد والإطْ ... لاقُ قيْدٌ والقَيْدُ غيرُ مَقِيسِ
شَأْنُها في حِبِّها فَتُّها الأكْ ... بادَ من رائسٍ ومن مَرْءُوسِ
رُبَّ قلبٍ قد تَاهَ فيها فلم يَدْ ... رِ حَسِيساص ولم يَمِلْ لِلْمَسِيسِ
ظَلَّ فيها في جَحْفلٍ من سرورٍ ... وخَميسٍ يلْقَى الأسَى بخَمِيسِ
كلَّما أسْفَرتْ له عن نِقابٍ ... وفَنِى في فِنائه المَأْنُوسِ
أشْرقتْ مِن وراءِ ذاك لعَيْنَيْ ... هـ بِمَغْنَى حُسْنِ الجمالِ النَّفِيسِ
فطوَى كَشْحَه على غُصَصِ الوَجْ ... دِ تُقىً بين طامعٍ ويَؤُوسِ
ذكرت بمطلع هذه القصيدة، ما حكاه البهاء الحارثي في كشكوله، وهو أن تاجراً من تجار نيسابور، أودع جاريته عند الشيخ أبي عثمان الحيري، فوقع نظر الشيخ عليها، فعشقها، وشغف بها، فكتب إلى شيخه أبي حفص الحداد بالحال، فأجابه بالأمر بالسفر إلى الري؛ لصحبة الشيخ يوسف.
فلما وصل إلى الري، وسأل الناس عن منزل الشيخ يوسف، أكثروا من ملامته وقالوا: كيف يسأل تقيٌّ مثلك عن بيت فاسق؟ فرجع إلى نيسابور، وقص على شيخه القصة، فأمره بالعود إلى الري، وملاقاة الشيخ يوسف المذكور.
فسافر مرةً ثانية إلى الري، وسأل عن منزل الشيخ يوسف، ولم يبال بذم الناس له وازدرائهم به.
فقيل له: إنه في محلة الخمارة.
فأتى إليه، وسلم عليه، فرد عليه السلام، وعظمه.
ورأى إلى جانبه صبياً بارع الجمال، وإلى جانبه الآخر زجاجةً مملوءةً من شيءٍ كأنه الخمر بعينه.
فقال له الشيخ أبو عثمان: ما هذا المنزل في هذه المحلة؟ فقال: إن ظالماً شرى بيوت أصحابي، وصيرها خمارة، ولم يحتج إلى بيتي.
فقال: ما هذا الغلام، وما هذه الخمر؟ فقال: أما الغلام فولدي من صلبي، وأما الزجاجة فخل.
فقال: ولم توقع نفسك في محل التهمة بين الناس؟ فقال: لئلا يعتقدوا أني ثقةٌ، فيستودعوني جواريهم، فأبتلى بحبهن.
فبكى أبو عثمان بكاءً شديداً، وعلم قصد شيخه.
انتهى.
وبهذه الحاية يظهر مغزى صدر هذه القصيدة، ويحصل الجمع بين ما في ظاهرها من المدح والقدح.
والله أعلم.
رجع.
ومن شعر باقشير، وهو مختار من قصيدة له:
أتعْذِلُ في لَمْياءَ والعُذْرث ألْيَقُ ... تعشَّقْتُها جهلاً وذو اللُّبِّ يعشَقُ
ولا عيشَ إلاّ ما الصَّبابةُ شَطْرُه ... وصوتُ المَثانِي والسُّلافُ المُعتَّقُ
وجَوْبُك أجْوازَ المَوامِي مُشمِّراً ... إلى المجدِ يطْوِيها عُذَافِرُ مُعْنِقُ
وأن تَتهاداك النَّعائمُ مُعْلَماً ... تُضِلُّك أو تَهْدِيك بَيْداءُ سَمْلَقُ
وأن تَرِدَ الماءَ الذي شَطْرُه دَمٌ ... فتسعَى برأيِ ابنِ الحُسَين وتُرْزَقُ
وأسْوَغ ما بَلَّ اللَّهَى بَعْدَ عَيْمةٍ ... وأرْوَى من الماءِ الشَّرابُ المُرَوَّقُ
فدَعْ لَجَجَ التَّعْنيفِ وابْكِ بذِي اللِّوَى ... دياراً كأنْها للتَّقادُمِ مُهْرَقُ
أحالتْ مَغانِيها السِّنون فأصْبحتْ ... قِوَى لهَرِيق الوَدْقِ والرِّيح مَخْرَقِ
وقفتُ بها والقلبُ بالوَجْدِ مُوثَقٌ ... كُفِيتَ الرَّدَى والجَفْنُ بالدمعِ مُطْلَقُ
أُناشدُها بَيْنُونةَ الحيِّ عن جَوىً ... لقلبٍ إذا هَبَّ النَّسائمُ يخْفِقُ
شَجٍ تتَصاباهُ الصَّبا وتلُوعُه ال ... جَنُوبُ ويشْجُوه الحَمامُ المُطَوَّقُ
إلى اللهِ أفعالَ الليالِي بها وبِي ... لقد كنتُ منها دائمَ الدهرِ أفْرَقُ