وقوله مضمِّناً:
يا من يدُ الرحمنِ قد خطَّت على ... صفحات خدَّيهِ السَّنيَّةِ لامَا
قد تمَّ حسنُكَ بالعِذارِ فمن رأى ... بدراً يكون له الكسوفُ تماما
البيت لأبي فرج بم هندو، وقبله:
خلعَ العِذارُ على عِذارِك خِلعةً ... خلعت قلوبَ العاشقينَ غراما
قد تمَّ، وهو معنًى، كم حام على تضمُّنه مُعَنَّى.
وللباخرزي فيما يقاربه:
وجهٌ حكى الوصلَ طيباً زانهُ صُدُغٌ ... كأنَّه الهجرُ فوقَ الوصلِ علَّقهُ
وقد رأيتُ أعاجيبَ الزَّمانِ وما ... رأيتُ وصلاً يكون الهجرُ رونقهُ
أخوه أكمل قرين أخيه ونده، فأحدهما السيف والآخر فرنده.
وكانا إذا اجتمعا تقابل البدر والثريا، وتطارح الشمول الرائق والرَّويَّةِ الرَّيَّا فتسابق بهما الكميت في ميدان الدِّنان، فمن رآهما قال ما شاء في طليقي عنان.
وإذا أخذا في معاطاةِ الأسمارْ، فما مشابهةُ الأماني في بلهنية الأعمار. ومحمد، إن كان أكبرُ سنًّا، فأكمل أرهف منه مسنًّا. إلا أنه اعتراه طرفٌ من الجنون، فصيَّره ثالث خالد والجنون. وله من جنونه أفانين، عدَّ بها من عقلاء المجانين.
وقد وقفتُ من شعره على كلمٍ يوسى به الكلم، ويعد من الظلم قياسها إلى الظلم.
فمن ذلك قوله في وصف حديقة زهر، يخترقها من اللجين الذائب نهر. إذا خمشته يد الصَّبا، تتوهمه زرداً مذهبا.
وفيه دولابٌ يشجي الصَّبَّ بنحيبه، كأنه محبٌّ وقد رمي بفقد حبيبه:
وحديقةٍ ينسابُ بين غصونها ... نهرٌ يُرى كالفضَّةِ البيضاءِ
قد ألبَستْه يدُ الجنائبِ والصَّبا ... زرداً كنبتِ الرَّوضةِ الغنَّاءِ
دولابُه بحنينهِ كمذكِّرٍ ... عهدَ الصِّبا ومعاهد السَّرَّاءِ
أبداً يدورُ على الأحبةِ باكياً ... بمدامعٍ تربو على الأنواءِ
ناحَ الحمامُ قِدماً فهو في ... ترجيعهِ موفٍ قديمَ إِخاءِ
ومن بدائع قوله:
بهَوًى سرتْ من سالفيْ ... ك إلى فؤادي في لهيبِ
فأتت بأطيبَ ما يسرُّ ... ذوِي الهوَى في طيِّ طِيبِ
إلا رحِمْتَ شبابَ ذي ... قلبٍ عليلٍ بالوجيبِ
فحنَوْتَ من كرمٍ علي ... هِ كميلةِ الغصنِ الرَّطيبِ
وقوله:
ولائمٍ قد لامَني في الطِّلا ... وترْكها والنَّهيِ عن شربها
فقلتُ تلحانِيَ جهلاً أمَا ... كفى طلوعُ الشمسِ مِن غربهَا
الغرب: دَنُّ الخمر، وبه تمت التورية.
وأصله قول أبي القاسم بن طلحة، في مغربي:
أيتها النفسُ إليهِ اذهبي ... فحبُّهُ المشهورُ من مذْهبي
مُفضَّضُ الثَّغرِ له شامةٌ ... من عنبرٍ في خدِّهِ المُذْهبِ
آيَسَنِي التَّوبةَ من عشقِهِ ... طلوعُه شمساً من المغربِ
وللشهاب الخفاجي:
كمْ قهقَهَ الإبريقُ إذ قيلَ تابْ ... وابتسمَ الكأسُ بثغرِ الحبابْ
والرَّاحُ شمسٌ قد تبدَّتْ لهُ ... من مغربِ الدَّنِّ فكيف المتابْ
للهِ أيَّامٌ مضتْ سرعَةً ... كهجعةٍ من ذي جوًى واكتئابْ
ليلاتُها قمرٌ وأيَّامها ... كأنَّها أعيادُ عصرِ الشَّبابْ
واغتبق يوماً بمحلٍّ كان يتخذه مفترش ندوته، ومتوسد صبوته. ومضطجع اطمئنانه، ومدار كأسه ودنانه. وهو في ينع الشباب، ورواء الأحباب. عندما اقترن بالليل نهاره، وامتزج بالبنفسج بهاره. وقد أحضر من آلات أُنسهِ، وأظهر من نوع ذلك وجنسه. ما يروق النَّاظر، ويصقل الخاطر.
فكتب يستدعي له صديقاً، كان يتخذه في ذلك العهد رفيقاً:
بادِر أُخَيَّ إلى الغبوقِ براحةٍ ... تنفي همومَ الصَّبِّ حين يصبُّها
حمراءَ رصَّعها الحبابُ كأنَّها ... شفقُ السَّماءِ تجولُ فيه شُهْبُها