بادر أخي، أطال الله بقاك، وقهر من يعاديك ويشناك. إلى تعاطي راحةٍ حاكى مزاجك مزاجها لطفاً، وزاد عليها بهاءً وأدباً وظرفاً. إذا أخذها الساقي وصب، ذهب عمَّن كان بين الشرب والصب. لا سيما إذا كانت حمراء كاللجين، مرصعةً بجواهر الحبب أو ممزوجةً بين بيْن. فالمأمول من الأخ المبادرة، ليفوز منه أخوه بأحسن مسامرة ومحاورة.

وفي ذيل الاستدعاء:

يا من رِضاهُ جنَّةٌ كمُلتْ ... والسُّخطُ داءٌ منكرٌ ضَنْكُ

زُرْ روضَنا كالغيثِ أكسبَه ... عِطراً فزيْنٌ بالتُّقى النسكُ

ماسَ الشَّقيق لنا على قُضُبٍ ... خضرٍ كسِمطٍ زانَه السِّلكُ

وكأنَّه والقضْبُ تحمله ... أقداحُ ياقوتٍ به مسكُ

ومن غزلياته قوله:

بهَوًى جَدَّ بقلبي ... طامعاً في لَفتاتِكْ

وفؤادٍ ضلَّ في ... حصرِ قليلٍ من صفاتِكْ

وفؤادٍ لم يُمتَّعْ ... حظوةً من خطواتِكْ

غافلاً عن ذنبِه إذ ... هو من بعضِ هِباتكْ

يا غزالاً خاطرَ القلْ ... بَ برؤْيا خطراتِكْ

آهِ ما أعجزنِي عن ... حملِ ماضي عزماتِكْ

بالحِمى ترتعُ والأُسْ ... دُ ثَوَتْ في عَرَصاتِكْ

كيفَ يرجوكَ فؤادٌ ... والحِمى بعضُ حُماتِكْ

بأبي حبَّاتُ مسكٍ ... نُقِّلتْ من وجناتِكْ

بل سويداءْ قلوبٍ ... أُحرقتْ في جمراتِك

أتُرى يا دهرُ هل في ... لحظةٍ من لَحَظاتِكْ

يغفلُ الواشونَ كي أح ... سبُها من حسَناتِكْ

ومن رباعياته قوله:

حَيَّى وسقى الحَيا الرُّبى والسَّفْحا ... من غاديةٍ تشبه دمعي سَفحا

والله وما ذكرتُ عيشي بِهِما ... إلا وضرَبتُ عن سواهُمْ صَفحا

وقوله:

لا أنْظُر للسَّماءِ فافْهَمْ عُذري ... قد ضاق برؤيا قمرٍ بها صدري

في صورةِ من أهوى وفي حاجِبِه ... ما يُغني عن هلالها والبدرِ

أهل العربية فرَّقوا بين الرُّؤيا والرُّؤية، فكن مستيقظاً في نظائره؛ فإنها كثيرة في أشعار المتأخرين.

ومن بدائعه قوله في مُعَذَّرٍ عنِم الحسنُ روضَ خده النَّضر، وتلاقى في جانبيه موسى مع الخضر:

يا حسنَ حمرةِ خدٍّ زادَ بهجتَهُ ... لونُ العِذار الذي حارتْ به الفِكَرُ

كأنَّ موسى كليمَ اللهِ أنسَه ... حيناً وجرَّ عليه ذيلهُ الخَضِرُ

نقله من قول ابن سعيد، صاحب المرقص والمطرب، في نارَنْجة نصفها أخضر والآخر أحمر:

وبنتُ أيكٍ دنا من لثمِها قُزَحٌ ... فصار في خدِّها من لثمِهِ أثَرُ

يبدو بعينيك منها منظرٌ عجَبٌ ... زبرجدٌ ونُضارٌ صاغَه المطرُ

كأنَّ موسى نبيَّ الله أقْبسَها ... ناراً وجرَّ عليها ذيله الخَضِرُ

وقد ألمع ابن سعيد بمأخذه من حيث لم يشعر؛ حيث قال في مكان آخر، من مرقصه: لما رحلت إلى دمشق وأبصرتها، فتنني منظرها، وأكثرت القول فيها، إلى أن وقع لي من قصيدةٍ:

في جِلِّقٍ نزلوا حيث النَّعيمُ غدا ... مُطوَّلاً وهو في الآفاقِ مُختصَرُ

القُضْبُ راقصةٌ والطَّيرُ صادحةٌ ... والنَّشرُ مرتفعٌ والماءُ منحدرُ

وقد تجلَّتْ من اللَّذَّاتِ أوجهُها ... لكنَّها بظلالِ الدَّوحِ تستترُ

وكلُّ وادٍ به موسى يفجِّره ... وكلُّ نهرٍ على حافاتِه الخَضِرُ

ولابن فضل الله:

للشامِ فضلٌ باهرٌ ... بعيشِها الرَّغدِ النَّضِرْ

في كلِّ روضٍ يلتقي ... ماءُ الحياة والخَضِرْ

ومن رباعياته قوله:

إمَّا يَمنٌ أهلُ الهوى أو قيسُ ... ليسوا مثْلي وإن تباهوا ليسوا

لو أنصَفني حاكمهُم في بُرَحِي ... ما قيسَ بمن عنه تلاهَوا قيسُ

وكتب إليه أخوه ملغِزاً:

يا أكملاً يستكملُ الظَّرفا ... يا فاضلاً والفضلُ لا يَخفى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015