أضلَّت فلم تسكن بصدر مُتيَّمٍ ... إذا لم يلوَّع من وُشاةٍ ولُوَّمِ
وريمٍ أبى إلا نِفاراً فمذ رأى ... على الصَّيْدِ صيَّاداً غدا غير مقدِمِ
يلاحظني والسِّحر ملءُ جفونِه ... يقود إليه القلبَ قودَ مسلِّمِ
يرنِّحهُ سكرُ الدَّلالِ فينثني ... كما عطفتْ غصناً صباً في تنسُّمِ
فإن زار وهناً والأماني تَعِلَّةٌ ... ترى البدر وافى فوق غصنٍ منعَّمِ
بخدٍ سقاهُ وابل الخزِّ والحيا ... سلافةَ خمرٍ أو عصارةَ عَنْدَمِ
ومن غزلياته وغرره قوله، من نبوية مطلعها:
نأى والأماني الكاذباتُ به تدنو ... بديعُ جمالٍ من محاسنه الحسنُ
هو البدرُ لا تنكر عليه بعادَهُ ... تراه قريباً والبِعادُ له شأنُ
أطال عليَّ الهجرَ حتى لطولِه ... تعلَّم منه هجرَ صاحبه الجفنُ
وعرَّفني الأحزانَ حتى ألفتُها ... فمن أجله عندي السُّرورُ هو الحزنُ
رشاً طلعت شمسُ البَها من جبينِه ... وماسَ بها من قدِّه غصنٌ لدنُ
فديتك ما هذا التنائي فلستُ من ... يُطيق بأن تشتاقك العينُ والأذنُ
بَعُدتَ ولكن لا عن القلبِ والرَّجا ... إذا لم يَشُبْهُ الياسُ كان له المنُّ
أظنُّك تدنو والليالي ضنينةٌ ... بقربِك لكن ربَّما صدق الظَّنُّ
فيا مسرفاً في هجره أنت يوسفٌ ... إذا غاب فالدُّنيا ليعقوبِه سِجنُ
سقى الله عهدً للشَّبيبةِ ماضياً ... ولا برحَتْ تنْهَلُّ في رَبعِها المُزْنُ
وحيِّي ربوعَ اللَّهوِ والوجدِ والصِّبا ... سحابُ رضاً أنواؤها اللُّطفُ واليمنُ
معاهدُ وجدٍ باكرتْ روضَها الصَّبا ... فصافحَ إذ مرتْ به الغصنَ الغصنُ
قطفتُ بها اللَّذَّاتِ مع كلِّ شادنٍ ... سقامِي بعينيه إذا ما ايرْنوُ
له في البَها تُعْزى المحاسنُ كلُّها ... كما لرسولِ اللهِ كلٌّ بها يعنُو
ومن مقاطيعه ونتفه، قوله:
وكنت أقولُ إنكَ في فؤادي ... لو أنَّ القلبَ بعدك كان عندي
سِوى عن ناظرِي ما غبتَ يوماً ... فذكرُكَ غالبَ الأوقاتِ وِردي
وقوله:
هل ترجعُ أيامي بنادِي الوادي ... تالله فقد عدَدْتُها أعيادي
أيامَ يضمُّ شملنا مُنتزهٌ ... بالغوطةِ لا فقدتُ ذاكَ النَّادِي
وقوله:
ما جاءَ الليلُ أو أضاءَ الفجرُ ... إلا وذكرتُ عيشنا يا بدرُ
لهفي لزمانٍ عِيشةٌ راضيةٌ ... قد منَّ بها على يديكَ الدَّهرُ
وقوله:
ومُعذرٍ صفحاتُ وجنتهِ ... كالشمسِ في حلَكٍ من الدَّمسِ
حيَّى فخلتُ الشمسَ قد طلعت ... ليلاً لِما شاهدتُ من أُنْسي
فعجبتُ من شمسٍ بدتْ لِدُجًى ... وبقيتُ فيه مُراجعاً نفسي
فغدا يقولُ أذاك من عجبٍ ... أعجب لهذا الأمرِ بالعكسِ
فانظر لمعجزةِ العِذارِ بدا ... في وجنتي كاللَّيلِ في الشمسِ
ومما ينسب إليه قوله:
ومَهاةٍ قد راعتِ العودَ حتى ... عاد بعد الجِماحِ وهو ذليلُ
خاف من عَرْ أُذنِه إذ عصاها ... فلهذا كما تقولُ يقولُ
نحوه للحسن بن يونس:
غيداءُ تأمرُ عودَها فيطيعُها ... أبدَّ ويتبعها اتِّباعَ ودودِ
فكأنما الصَّوتانِ حين تمازَجا ... ماءُ الغمام وابنةُ العنقودِ
ولكشاجم:
جاءتْ بعودٍ تناغيهِ فيتبعُها ... فانظر بدائعَ ما تأْتي به الشَّجرُ
فما يزالُ عليه أو بهِ طربٌ ... يَهيجُه الأعجمانِ الطَّيرُ والوترُ
وليوسف بن عمران الحلبي:
يستوقفُ الأطيارَ حسنُ غِنائها ... إن ردَّدتْ ألحانَها ترديدا
وتظنُّ صوتَ العودِ صوتَ غنائها ... وغِناءَها أبداً تظنُّ العودا