تُروى محاسنُ لفظه وكأنَّها ... دُرَرٌ وآراءٌ كمثلِ دَراري
ومآثرٌ قد خلِّدت فكأنَّها ... غُررٌ وعزمٌ مثل حدِّ غَرارِ
إلى أن فجع به المجد الأثيل، وفقد من الدنيا فقيد المثيل. وله أدبٌ نقده نضّ، ومقطعه غضّ. أخذت كلمه بمجامع القلوب، وملك قلمه الغاية من حسن الأسلوب. وقد أثبت له ما تستهديه بُرداً مُوشَّى، وتستجليه خداً بالقلم الرِّيحانيِّ محشَّى.
فمنه قوله، من قصيدةٍ، أولها:
بين حَنايا ضلوعي اللَّهبُ ... ومن جفوني اسْتهلَّتِ السُّحُبُ
وفي فؤادي غليلُ منتزِحٍ ... يعاف إلا الدِّيار تقْتربُ
يا بأبي اليوم شادنٌ غَنِجٌ ... يعبث بالقلب وهو ملتهبُ
يسنَحُ لكن بصفحتي رشأٍ ... والقدُّ إن ماد دونه القُضُبُ
صُفر وشاحٍ يزينه هيفٌ ... ليس كخودٍ يزينها القلب
إن لاح في الحيِّ بدر طلْعته ... فالشمس في الأُفق منه تحتجبُ
أشْنبُ لم تحكِ برق مبسمهِ ... يا برق إلا وفاتَكَ الشَّنَبُ
يطفو على الثَّغر مي مُقبَّله ... حبابُ ظلْمٍ وحبَّذا الحبَبُ
كأنَّه لؤلؤٌ تُبدِّده ... أيدي عذارى أفضى بها اللَّعبُ
ما مرَّ في الحلى وهو مُؤتلِقٌ ... إلا ازدهى الحلى ثغره الشَّنبُ
يعطو بجيدٍ كقرطه قلقٍ ... والقلب ما جال منه مضطربُ
وسانحاتٍ نفثن في عقد ال ... ألبابِ سحراً ودونه العطبُ
به اختلسْنَ الفؤاد من كثبٍ ... واقتاد جسمي السًّقامُ والوصبُ
تجرح منهنَّ مهجتي مقلٌ ... يفعلن ما ليس تفعل القُضُبُ
ظعنَّ والقلب في ركائبهم ... يخفق والجسم للضَّنَى نهبُ
من فوق خِلبي وضعتُ صاحَ يدي ... فلم أجده وصدَّه لهبُ
لمَّا تيقَّنتُ أن دوحتهم ... ليس لها ما حَييت منقلَبُ
أبليتُ صبراً لم يبلِه أحدٌ ... واقتسمتني مآربُ شعبُ
منهن لي ذات دُملَجٍ سلبت ... عقلي وعادت تقول ما السَّببُ
هذا على أسلوب قول مهيار:
قتلتني وانثنت تسأل بي ... أيُّها الناس لمن هذا القتيلُ
يصبو جنوناً ويدَّعي سفهاً ... أنِّي له دون ذا الورى طلبُ
وليس عندي علمٌ بصبوته ... ولا تعهدتُ أنَّه وصِبُ
لو كان فيما يقوله شغفاً ... صدقٌ عراه لعشقِنا النَّصبُ
فقلت لو شئت يا منايا لما ... سألت عني وأنت لي أربُ
إنَّ نحولِي وعبرتي معاً ... بعد أنيني لشاهدٌ عجبُ
أشكوك لو كان منصفٌ حكمٌ ... يقضي غراماً وليس يحتسب
لكنني الآن قد رجعت ولا ... يرجع مثلي متيَّمٌ سلبُ
يا قلب عجْ من حِمى مكائدِهم ... واترك مقاماً به لك التَّعبُ
كم ذا تقاسي مصاب جفوتهم ... وأنت والدَّهر كله حرِبُ
وكم تعاني بحبِّها ولهاً ... عهدكم لن تقلَّه كتبُ
فخلِّ دعداً وذِكر معهدِها ... وعد عنها وأنت مجتنِبُ
وغضَّ طرفاً عن كلِّ غانيةٍ ... واترك غزال الصَّريمِ ينتحبُ
إن عنده جاز أن يصارِمني ... فالعيد عندِي بمذهبي يجِبُ
ولا تسمَّع للحنِ شاديةٍ ... ولو إلى اللَّحنِ هزَّك الطَّربُ
وجِدَّ واترك منًى خدِعت بها ... فالهزل داءٌ دواؤه الهربُ
وله من قصيدة أرسلها إلى ديار بكرٍ، يتشوق بها إلى دمشق، ويذكر منتزهاتها. ومطلعها:
سقى دار سعدى من دمشق غمامُ ... وحيَّى بقاعَ الغوطتين سلامُ
وجاد هضاب الصَّالحيَّةِ صيِبُ ... له في رياض النَّيربين ركامُ
منها:
ذكرت الحمى والدَّار ذكرى طريدةٍ ... تذاد كظمآنٍ سلاه أوامُ