وإن شَرَّقْت أو غرَّبْت عنِّي ... فما لك منزلٌ إلا جناني

سقَى الأثلاثِ من يَبرينَ دمعي ... وحيَّا العهد هاتيك المغاني

معاهد كم جنيتُ العيش غضًّا ... بها زمناً ولم أعهد بِجاني

أروح بها أجرُّ الذَّيل تيهاً ... وأُسقى الرَّاح من راح التَّهاني

ليالٍ كلُّها سَحَرٌ ودهرٌ ... فؤادي منه يرتع في أمانِ

فغالطني الزَّمان وقال كهلٌ ... وأيَّام الصِّبا في العنفوانِ

أقَبل الأربعين أُصيب شيباً ... فما عذر المشيب وقد دهاني

طوت أيدي الحوادث بسط لَهوي ... وألوت من مواطنه عِناني

وله:

نفسٌ تعلَّلُ بالأماني ... لا بالقِيان ولا بالقَناني

ومدامعٌ مسفوحةٌ ... بين المعاهد والمغاني

وأبيت مضموم اليدي ... نِ على التَّرائب والجَنَانِ

أشكو الصَّبابةَ للصَّبا ... بةِ بالمدامع لا اللِّسانِ

وأقول إذ هتفت بنا ... وَرقاً شجاها ما شجاني

يا وُرْقُ ما هذا النُّوا ... ح فبعض ما عندي كفاني

غادرْتُ بين الغوطتي ... نِ بمنزلي السَّامي المكانِ

أُمًّا لها كبدٌ عليَّ ... مذابةٌ مما دهاني

تستخبرُ الرُّكبان عن ... حالي وتندبُ كلَّ آنِ

فعسى الذي أبلى يُعي ... نُ ويلتقي ناءٍ بدانِ

وله:

قم هاتها فانتهابُ العيش مُغتنمٌ ... من كفِّ مُعتدلٍ في خير إبَّانِ

حيث الرياضُ اكتستْ من سندسٍ حُللاً ... وتوِّجتْ بيواقيتٍ وعِقيانِ

والمسك في الفلك العُلويِّ إذ رَتَعتْ ... غزالةُ الأفقِ والكافور سيَّانِ

وله:

وحبيبٍ مكلَّلٍ بعيونِ ... جعلتْ طوقة اللَّيالي يميني

يتشكَّى من البضاضةِ حتَّى ... لو جعلنا الفراشَ من ياسمينِ

قوله: مكلل بعيون: استعمال لطيف، أول من استعمله بشَّار بن برد، في قوله:

ومُكلَّلاتٍ بالعيونِ ... طَرقْننا ورجَعْنَ مُلسا

وقيل في معناه: إنَّهن لحسنهن تعلو الأبصار إلى وجوههن ورؤوسهن، كأن لهنَّ إكليلاً من العيون.

ومن أبياته الفذَّة قوله:

صادفْتُه فتناولتْ لَحَظاتهُ ... عقلي وأعرض نافراً متجنِّبا

وقوله:

وابتسَمَ الورد فكادت له ... تُمزِّق الرَّاحُ قميص الزُّجاجِ

وقوله:

بعض الذَّوات هي النَّعيم لمبصرٍ ... والبعض منها في الجفون قُروحُ

وقوله:

إن كتبي إليه صحف الأماني ... وبها الرُّسْلُ بيننا الأرواحُ

وقوله:

متوَّجُ الرَّاح بالإبريقِ ذو قُرطٍ ... مثل الهلال له الجوزاءُ زنَّارُ

وقوله:

طيرٌ أعار الغصن جُنكاً رُكِّبتْ ... أوتاره من فِضَّةِ الأمطارِ

وقوله:

إذا أمسك المرآةَ ينظرُ وجهه ... فظاهرها بدرٌ وباطنها شمسُ

وقوله:

ومُدامي ذكر الحبيبِ ونقْلي ... قُبَلُ الظَّنِّ من شفاه المحالِ

وقوله:

ثقيلُ روحٍ يزورُ في زمنٍ ... لو زار فيه الحبيبُ ما قُبلا

وقوله:

الجسم يبرأ بالعلاجِ سَقامُه ... وشِفا النُّفوس صداقةُ الخِلاَّنِ

وقوله:

بعض الحسانِ تراه عند مالكه ... كأنَّه العيد في أيَّامِ كانونِ

وقوله:

أحببتُ من أجله من كان يشبهُه ... حتى حكيت بجسمي سُقْمَ جَفنيهِ

عبد اللطيف المنقاري ماجدٌ استوفى شرف الأرومة، واستعلق مزيَّة النسبة المرومة. فما بات إلا بتكميل النفس وجده وكلفه؛ لأنه أتى الفضل وهو لعمري لا يتكلفه.

فهو معروفٌ بأصله وفصله، ومشهورٌ له بنبله وفضله. له المقام الأحظى، والمعارف التي ملأت سمعاً ولحظا. وهو من منذ حلت عنه تمائمه، ونيطت عليه عمائمه. مخطوب الحظوة عند الأنام، حالٌّ من الالتفات في الذروة والسَّنام. تارةً يفيد منًى وتارةً يستفيد ثناً:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015