يشير إلى همدان، وهي قبيلة من اليمن، ينتهي إليهم نسب الممدوح، وكانوا قد أبلوا يوم صفين بلاءً حسناً، فروي أنهم في بعض أيامهم حين استحر القتل، ورأوا فرار الناس عمدوا إلى غمود سيوفهم فكسروها، وعقلوا أنفسهم بعمائمهم، وجثوا للركب، وبركوا للقتل، فقال فيهم أمير المؤمنين، كرم الله وجهه:

لَهمْدان أخلاقٌ ودِينٌ يزِينُها ... وبأسٌ إذا لاقَوْا وحُسْنُ كلامِ

فلو كنتُ بَوَّاباً على بابِ جَنَّةٍ ... لقلتُ لهَمْدان ادْخُلوا بسَلامِ

وقال فيهم يوم الجمل: لو تمت عدتهم ألفاً لعبد الله حق عبادته.

وكان إذا رآهم تمثل بقول الشاعر:

ناديتُ هَمْدان والأبوابُ مُغْلقةٌ ... ومثلُ هَمْدان سَنَّى فتْحةَ البابِ

كالهُنْدُوانِيِّ لم تُفْلَل مَضارِبُه ... وجهٌ جميلٌ وقلبٌ غيرُ وَجَّابِ

ذكره ابن عبد ربه في العقد.

وهمدان بسكون الميم، وبعدها دال مهملة، وأما همذان، بفتح الميم والذال المعجمة، فبلد من بلاد العجم، وهي أول عراق العجم، وإليها نسب بديع الزمان الهمذاني، صاحب المقامات التي اقتفى الحريري أثره فيها.

ومن شعر صاحب الترجمة، قوله من قصيدة يمدح بها وزير البحرين محمود بن نور الدين، وهي أول قصيدة أثبتها في المدح، وأنشدها يوم عيد الفطر:

ماذا يُفيدُك من سُؤالِ الأرْبُعِ ... وهي التي إن خُوطِبَتْ لم تسمَعِ

سَفَهٌ وقوفُك في رُسومٍ رَثَّةٍ ... عَجْماءَ لا تدرِي الكلامَ ولا تعِي

فذَرِ الوقوفَ على مَخافِي منْزلٍ ... عافٍ لمُختلِف الرِّياح الأرْبَعِ

وامْسِك عِنانَ الدمعِ عن حَوْبائِه ... في دِمْنةٍ لم تحمْدَنْك ومَرْبَعِ

اللهُ جارُك هل رأيتَ منازلاً ... عطِلتْ فحلَّتْها عقودُ الأدْمُعِ

واسْتبْقِ قلبَك لا تَعيشُ بغَيْرِه ... وشعاعَ نفس إن يَغبْ لم يَطلُعِ

واصرِفْ بصِرْفِ الرَّاح همَّك إنها ... مهما تفرَّق من سرورِك تجمْعِ

كَرْمِيَّةٌ تذَرُ البَخيلَ كأنما ... نزَل ابن مَامةَ من يدَيْه بأُصْبُعِ

فهي التي آلتْ ألِيَّةَ صادقٍ ... أن لا تُجاورها الهمومُ بمَوْضعِ

مع كلِّ ساحرة اللِّحاظِ كأنها ... ترْنُو بناظِرتَيْ مَهاةٍ مُرْضِعِ

وكأنما تَثْنِي على شمسِ الضحى ... إمَّا هي انْتقبَتْ حواشِي البُرْقُعِ

إما مركبة من إن الشرطية، وما الزائدة، وأدغمت النون في الميم.

وكأنما وُضِع البُرَى منها على ... عُشَر تعاوَره الحَيا أو خِرْوَعِ

البرى هنا جمع برة، وهي الخلخال.

والبيت وصفٌ لها بالطول وتمام الخلق.

وتعاوره الحيا تأكيدٌ وتحسين لهذا الوصف.

يا مَن يفِرُّ من الخُطوب وصَرْفِها ... أنَّى رآه يفِرُّ عنها يتْبعِ

لُذْ بالوزير ابنِ الوزير فإنما ... تأْوِي إلى الكَنَفِ الأعزِّ الأمْنَعِ

ملِكٌ رَقَى دَرْجَ الفخارِ فلم يدَعْ ... فيها لِرَاقٍ بعده من مَطْمَعِ

وتناولَتْ كفَّاه أشْرفَ رتبةٍ ... لو قام يلْمِسُها السُّهَا لم يَسْطَعِ

أنْدَى من الغيْثِ المُلِثِّ إذا اجْتُدِي ... أحْمَى من الليثِ الهِزَبْرِ إذا دُعِي

التَّارِكُ الأبطالَ صَرْعَى في الوغَى ... فكأنهم أعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِ

منقع من الاكتفاء، وله معنىً بدون الاكتفا؛ بأن يكون مأخوذاً من أقعى فرسه، إذا رده القهقرى، فيزادياءً، أو من أنقع الميت، أي دفنه، والمراد دفنها بعشية القتال.

يذَرُ الجماجمَ في المَكَرِّ سَوَاقِطاً ... سَقْط الثِّمار من المَهَبِّ الزَّعْزَعِ

أفْدِيه وهْو على أغَرَّ مُحجَّلٍ ... ظامِي الفُصوصِ سليم سَيْرِ الأكْرَعِ

الفصوص: جمع فص، وهو ملتقى كل عظمين.

وظامي الفصوص، كناية عن لطافة مفاصله.

نَهْدِ المَراكل واللَّبان بعيدِ ما ... وُضِع العِنانُ به عَصِيٍ طَيِّعِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015