فكأنه لمَّا اسْتقام تَلِيلُه ... مُصْغٍ تلقَّفَ نَبْأةً من بُرْقُعِ

في جَحْفلٍ كالْيَمِّ إلاَّ أنه ... لا ماءَ فيه غيرُ لَمْعِ الأدْرُعِ

حتى ترجَّل للصلاةِ ولم نجِدْ ... أسداً يُصلِّي قَبْلَه في مَجْمَعِ

لو قال: أخشع خاشع متورع. لكان أنسب بأفتك فاتك.

حُيِّيتَ يا كسرى الملوكِ تحيَّةً ... تُرْبى على كسرَى المُلوكِ وتُبِّعِ

يا ابنَ الأُلَى جعلوا مراكز سُمْرِهمْ ... حَبَّ القُلوبِ بكل يومٍ مُفْظِعِ

واستبْدلُوا لِلْبِيض من أغْمادِها ... في الحرب هامةَ كلِّ ليثٍ أرْوعِ

النازلين من العُلَى في رتبةٍ ... هامُ السُّها منها بأدْنَى موضعِ

ما حدَّثتْ نفسُ امرىءٍ ببُلوغِها ... إلاَّ ومات بغُلَّةٍ لم تُنْقَعِ

وإليك من عُرْبِ الكلامِ خريدةً ... جاءتْك مُسْفِرةً ولم تتَبرْقَعِ

عذراءَ أوّلُ ما جَناه لناظرٍ ... نَظْمِي وأولُ ما تلاه لِمَسْمَعِ

مِن شاعرٍ ذَرِبِ اللسانِ مُفَوَّهٍ ... طَبٍ بترْكيب القوافِي مِصْقَعِ

فاضمُمْ عليه يديك تَحْظَ بآخِرٍ ... أذْكَى من المتقدِّمين وأبْرعِ

فَليُسْمِعنَّك إن بَقِي لك بعدها ... ما يسْتبين لديْه ذُلُّ الأشْجَعِ

قلت: لله دره من فارس مجال هو على تناول المعاني أشجع من أشجع، وخطيب حفل كلماته أفيد من قائل أما بعد وأنجع.

وقد انتهى ذكر أهل البحرين الذين ارتفع قدرهم وسما، وروت غررهم في رياض آدابها حديث النعمان عن ماء السماء.

وهنا أذكر من نجم من بلاد العجم ممن وقع عليهم الاتفاق، وانهلت فوائدهم كالسحاب الدفاق.

فمنهم: الحكيم أبو الحسين بن إبراهيم الطبيب الشيرازي فارس حكماء الشرق، المستوفي في السبق شوط البرق.

بلغ وهو شاب مبلغ الشيخ فقضى له بالرياسة، وبرع في صناعة الطب براعة حكمت له بالاستيلاء على النباهة والكياسة.

إلى أدب يتخيله الفكر فيشفى به عليله، وينطبع في الطبع فيشحذ به كليله.

وحسن طلعةٍ تتعشقها الصور، ولطف علاجٍ لم يبق معه ما تشتكيه مرضى العيون إلا الحور.

وقد وقفت له على شعر ألذ من العافية للسقيم، وألطف من بشرى الولد الكريم للشيخ العقيم.

فأثبت منه ما هو غايةٌ في حسن الأسلوب، وكأنما هو دواءٌ لأمراض القلوب.

فمنه قوله:

كشف الصبحُ اللِّثامَا ... وجَلى عنَّا الظلامَا

فأجِلْ لي الكأسَ ونَبِّ ... هْ أيها السَّاقي النُّدامَى

عَلَّنا نقضِي كما رُمْ ... نا من الأُنْسِ المَرامَا

ما ترى الوُرْقَ على الأيْ ... كِ يُجاوِبْنَ الحَمامَا

وزُهورَ الروضِ أصْبَحْ ... نَ يفُتِّقْنَ الكِمامَا

والحَيا يبْكِي عليهِنَّ ... فيَضْحكْنَ ابْتسامَا

ووميضَ البَرْقِ قد سَلَّ ... على الأُفْقِ الحُسامَا

وحبِيبَ النفسِ قد لا ... حَ لنا بَدْراً تِمَامَا

أيُّ عُذْرٍ لك إن لم ... تصلِ الراحَ مُدامَا

فاغْنَمِ الأُنْس وبايِنْ ... مَن لَحَى فيه ولاَمَا

وهي عروض أبيات بلديه الشيخ سعدي، صاحب الكلستان، وهي:

يا نَدِيمي قُمْ بليلٍ ... واسْقِني واسْقِ النُّدامَى

خَلِّني أسهرُ ليلِي ... ودَعِ الناس نِيامَا

اسْقِيانِي وهدِيرُ الرَّ ... عدِ قد أبْكَى الغَمامَا

في أوانٍ كشفَ الوَرْ ... دُ عن الوجهِ لِثامَا

أيها المُصْغِي إلى الزُّهَا ... دِ دَع عنك الكلامَا

فُزْ بها من قبلِ أن يجْ ... علك الدهرُ عِظامَا

قُل لِمَن عيَّر أهْلَ الْ ... حُبِّ في الحبِّ ولاَمَا

لا عرفتَ الحبَّ هَيْها ... تَ ولا ذُقْتَ غَرامَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015