إذا جَنَّني الليلُ البَهِيمُ تفجَّرتْ ... عليَّ عيونُ الهَمِّ فيها إلى الفَجْرِ

تفرَّقتِ الأهْواءُ منِّي فبعضُها ... بِشِيرازَ دارِ العلم والبعضُ في الفكْرِ

وبالبَصْرة الرَّعْناءِ بعضٌ وبعضُها الْ ... قَوِيُّ ببَيْتِ اللهِ والرُّكْنِ والحِجْرِ

فما لي وللهند التي مُذ دخلْتُها ... مَحَتْ رَسْمَ طاعاتِي سيولٌ من الوِزْرِ

ولو أن جِبْرائيلَ رام سُكونَها ... لأعْجزه فيها البقاءُ على الطُّهْرِ

لئن صِيدَ أصحابُ الحِمَى في شباكِها ... فقد تأخذُ العقلَ المقاديرُ بالقَهْرِ

وقد تُذهب العقلَ المطامعُ ثم لا ... يَعُود وقد عادت لَمِيسُ إلى العِتْرِ

هذا تلميح إلى المثل المشهور، وهو قولهم: عادت إلى عترها لميس. أي رجعت إلى أصلها.

والعتر، بكسر المهملة وسكون المثناة من فوق: الأصل.

ولميس: اسم امرأة.

يضرب لمن رجع إلى خلق كان قد تركه.

وليس هذا المثل بعينه حتى يعترض بأن الأمثال لا تغير.

مضَتْ في حروبِ الدهر غايةُ قُوَّتي ... فأصبحتُ ذا ضَعْفٍ عن الكَرِّ والفَرِّ

إلى مَ بأرضِ الهنْدِ أُذْهِب لَذَّتبي ... ونَضْرة عَيْشٍِ في محاولة النَّضْرِ

وقد قنِعتْ نفسِي بأوْبَةِ غائبٍ ... إلى أهلِه يوماً ولو بَيَدٍ صَفْرِ

إذا لم تكنْ في الهندِ أصنافُ نعْمةٍ ... ففي هَجَرٍ أحْظَى بصِنْفٍ من التَّمْرِ

على أنَّ لي فيها حُماةً عهِدتُهمْ ... بُناةَ المَعالي بالمُثقَّفة السُّمْرِ

إذا ما أصاب الدهرُ أكْنافَ عِزِّهمْ ... رأيتَ لهم غاراتِ تَغْلِبَ في بَكْرِ

ولي والدٌ فيها إذا ما رأيتَه ... رأيتَ به الخَنْساءَ تبْكي على صَخْرِ

ولكنَّني أُنْسِيتُ في الهند ذكْرَهم ... بإحْسانِ مَن يُسْلِي عن الوالد البَرِّ

إذا أذْعَرَتْني في الزَّمانِ صُرُوفُه ... وجدتُ لديه الأمْنَ من ذلك الذُّعْرِ

وفي بيته في كلِّ يومٍ وليلةٍ ... أرى العِيدَ مقْروناً إلى ليلةِ القَدْرِ

ولا يُدْرِك المُطْرِي نِهايةَ مَدْحِه ... ولو أنَّه قد مُدَّ من عُمُرِ النَّسْرِ

وفي كُلِّ مِضْمارٍ لدَى كلِّ غايةٍ ... من الشرفِ الأوْلَى له سابِقٌ يجرِي

إذا ما بدتْ في أول الصبحِ نِقْمةٌ ... ترى فَرَجاً قد جاء في آخر العَصْرِ

فقُل لي أبَيْتَ اللَّعْنَ إن عَزَّ مَقْطَعٌ ... أأصبِرُ أم أحْتاجُ للأوْجُهِ الغُرِّ

إذاً لا علَتْ في المجد أقدامُ هِمَّتي ... وإن كان شعرِي فيك من أنْفَسِ الشعرِ

وإنِّي لأرْجو من جَميلِك عَزْمةً ... تُبلِّغني الأوطانَ في آخرِ العُمرِ

تُقِرُّ عيوناً بالعراقِ سَخِينَةً ... وتُبرِد أكْباداً أحَرَّ من الجمرِ

وتُؤْنس أطفالاً صِغاراً تركْتُهم ... لفُرْقتِهم ما زال دمعيَ كالقَطْرِ

وعيشْي بهم قد كان حُلْواً وبعدهم ... وجدتُ لذيذَ العيشِ كالعَلْقَمِ المُرِّ

إذا ما رأَوْني مقبِلاً ورأيتُهم ... تقول أيومُ القَرِّ أم ليلةُ النَّفْرِ

وما زلتُ مُشتاقاً إليهم وعاجزاً ... كما اشْتاقَ مَقْصوصُ الجناح إلى الوَكْرِ

ولكنَّما حسبِي وُجودُك سالماً ... ولو أنني أصبحتُ في بلدٍ قَفْرِ

فمَن كان موصولاً بحَبْلِ وَلائِكم ... فليس بمُحْتاجٍ إلى صِلةِ البِرِّ

وله من قصيدة، على لسان أهل الحال، وأجاد فيها.

ومستهلها:

لَعَمْري لقد ضلَّ الدليلُ عن القَصْدِ ... وما لاح لي برقٌ يدلُّ على نَجْدِ

فبِتُّ بلَيْلٍ لا ينام ومُهْجةٍ ... تقلَّب في نارٍ من الهمِّ والوجْدِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015