وقلتُ عسى أن أهْتدِي لسَبِيلِها ... بنَفْحة طيبٍ من عَرارٍ ومن رَنْدِ

فلما أتيْتُ الدَّيْرَ أبصرتُ راهباً ... به ثَمَلٌ من خَمْرةِ الحبِّ والوُدِّ

فقلتُ له أين الطريقُ إلى الحِمَى ... وهل خَبرٌ من جِيرةِ العَلَم الفَرْدِ

فقال وقد أعْلَى من القلْبِ زَفْرةً ... وفاضتْ سيولُ الدمعِ منه على الخَدِّ

لَعلَّك يا مسكينُ ترجُو وِصالَهم ... وهيْهات لو أتلفْتَ نفسَك بالكَدِّ

إذا زُمْرةُ العُشَّاقِ في مجلسِ الهوى ... نَشاوَى غَرامٍ من كُهولٍ ومن مُرْدِ

ألم تَرَ أنَّا من مُدامةِ شَوْقِهمْ ... سُكارَى ولم نبلُغْ إلى ذلك الحَدِّ

فكم ذهبتْ من مُهْجةٍ في طريقِهمْ ... وما وصلتْ إلاَّ إلى غايةِ البُعْدِ

فقلتُ أأدْنُو قال مِن مِحْنةٍ ... فقلتُ أأرجُو قال شيئاً من الصَّدِّ

هذا البيت فيه المراجعة، وهي كثيرة في كلامهم.

ألم تَرَنَا صَرْعَى بدهشةِ حُبِّهمْ ... نُقلِّب فوق التُّرْبِ خَدّاً إلى خَدِّ

فكم طامعٍ في حبِّهم مات غُصَّةً ... وقد كان يرضَى بالمُحالِ من الوَعْدِ

ولده السيد عبد الله عرف ذلك الطيب، واريجه الذي يذكو ويطيب.

تحلى بالأدب من منذ ترعرع، وارتوى منه بكأس مترع.

فاستباح جني قطافه، واستماح روي نطافه.

وقد وقفت له على أشعارٍ باهت الطراز المعلم ببذرقة التطريز، وجرت جداولها لطالب الأدب بمذاب اللجين والإبريز.

فدونك منها ما تستجيده، وتعلم منه أنه محسن القول ومجيده.

فمنه قوله، من قصيدة أولها:

أغَار في تِيهِه وأنْجَدْ ... فصوَّب الفكرَ بي وصَعَّدْ

وجَدَّ في مَطْلَب التَّجنِّي ... فجذَّ حبلَ الوِدادِ بالصَّدّ

أتيتُ أشكُو إليه وَجْدِي ... فصدَّ كِبراً وصعَّر الْخَدّ

سَما به عُجْبُه فأضْحَى ... يضِنُّ عند السلامِ بالرَّدّ

ظَبْيٌ بديعُ الجمالِ أحْوَى ... أغَرُّ حُلْوُ الدَّلالِ أغْيَدْ

مُهَفْهَفٌ تخضَع العَوالِي ... إذا تثنَّى ورَنَّحَ الْقَدّ

مُجاذِبٌ رِدْفُه لخَصْرٍ ... دَقّ فخِفْنا عليه ينْقَدّ

ذُو مَبْسَمٍ بالرُّضابِ حَالٍ ... مِن حولِه اللُّؤْلُؤُ المُنضَّدْ

كم بات يرْوِي لنا قديمَ ال ... حديثِ نَقْلاً عن المُبَرِّدْ

فنَال منَّا المُدامُ منه ... ما لم تنَلْه مُدامُ صَرْخَدْ

بدرُ تَغارُ النجومُ منه ... إذا سَنَا وجهِه تَوقّدْ

أحلَّ قتْلَ الأنام عَمْداً ... ولا قِصاصاً يَرى ولا حَدّ

منها:

ما لاح يوماً لعاشِقيهِ ... إلاَّ وخَرُّوا لديْه سُجَّدْ

كلُّ عَمِيدٍ به عَمِيدٌ ... وكل مَوْلىً له مُعَبَّدْ

أُطلِق حُبِّي له فأمسَى ... قلبِي به واجِباً تقيَّدْ

هوَيْتُه عامِداً لمعنىً ... منه أتى بالجمالِ مُفْرَدْ

ولستُ أبْغِي به بدِيلاً ... وإن تجافَى قِلىً وإن صَدّ

ما زلتُ شوقاً إليه أصْبُو ... وعهد وُدِّي له يُجدَّدْ

كما صَبَا للنَّدى ارْتياحاً ... سيدُنا ابنُ النبيِّ أحمدْ

أرْفَعُ من ترفعُ المَعالِي ... طَوراً إلى مجدِه وتُسْنَدْ

كم جمعتْ للكرامِ شَمْلاً ... يَدٌ له مَالُها مُبدَّدْ

وكم أقالتْ عِثارَ قَيْلٍ ... أطاحَه دهرُه وأقْعَدْ

منها:

أبا عليٍ فِداك نفسي ... وما حَوَتْه يَدايَ من يَدْ

منها:

وابْق بقاءَ الدهورِ ما إنْ ... أضاءَ برقٌ ولاح فَرْقَدْ

وله من قصيدة أخرى، مستهلها:

ما نضتْ ليلةَ المَزارِ الإزارَ ... هندُ إلا لتهتِكَ الأسْتارَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015