بشأن الحب أن ذلك العنوان، ليس إلا في شأن ذلك الديوان.
وليعلم الخاص والعام، ويتحدث في المحافل عاماً بعد عام.
بأن مولانا لم يخط في حكمه ثغرة السداد، ولم يزغ برسمه عن شريعة الرشاد.
فلعمري لقد جاءني الداء، من مظنة الدواء.
وكنت أعددت مولاي لكل مطلوب جناحا، ولظلمات الخطوب مصباحا.
قد كنتَ عُدَّتِيَ التي أرْمي بها ... ويدي إذا اشْتَدَّ الزمانُ وساعِدِي
فرُمِيتُ منك بضدِّ ما أمَّلْتُه ... والمرءُ يشْرَق بالزُّلالِ الباردِ
أقول ذلك إجلالاً واحتراما، لا اختباراً واستفهاما.
فإن الأمور بيد الله، والأرزاق في خزانة الله.
قد لَعَمْرِي أقْصرتُ عنك وللوَفْ ... دِ ازْدِحامٌ وللْعطاءِ ازْدحامُ
ومن الرُّشدِ لم أزُرْك على القُر ... بِ على البُعدِ يُعرَف الإلْمامُ
لي والله يا سيدي قلبٌ لا تقلبه السراء ولا الضراء، وعرضٌ غير ملوم لا يدنسه المراء.
طالما نطقت بلسانٍ تشبه خلقته خلقة إنسان، ونمقت بكلمٍ كأن لسانه لسان السنان.
لا يعثر جوادهما في مضمار الكلام، وصلت بحسام همة لا ينبو شباه عن ضرب أعناق المرام.
لم أوجد بحمد الله تعالى كاسد الشعر، رخيص السعر.
نزر الكلام، كسلان الأقلام.
غافلاً عما هو من الحقوق متعدٍ أو لازم، جاهلاً بما هو للأنفة محرك أو جازم.
وما الحداثةُ من ِحلْمٍ بمانعةٍ ... قد يُوجَد الحلمُ في الشُّبَّانِ والشِّيبِ
فليتك يا سيدي ومولاي تقول:
إنِّي امرؤٌ لا يعْترِي خُلُقِي ... دَنَسٌ يُكدِّرهُ ولا أفَنُ
وكل هذا لا يساوي هذا الملق، ولا يستغرق السجع الملفق.
وإن تيقنت أبقاك الله جميع ما نقل عني، أو زعمت أنه صدر مني.
فطالما كانت الهفوة عند الكريم سبباً لجميل الرجعي، والنبوة سلماً عند الحليم إلى كريم العتبى.
والصلة بعد القطيعة أبقى، والود بعد النفرة أخلص وأصفى.
ولطالما انكسرت المودة فانجبرت، وانقلبت الأحوال بعد ما أدبرت.
فليس لما صدر تربةٌ تحتمل غراسا، ولا قرارةٌ تسع أساسا.
والكذب عائدٌ على من حكاه، والغلط مردود على من رواه.
فإنه صيرفي دراهم، لا صيرفي مكارم.
وإنما هو تاجر قيل وقال، لا تاجر مقال وأفعال.
دعونِيَ والواشِي فها أنا حاضرٌ ... وصوتِيَ مرفوعٌ ووجهيَ بارِزُ
والمرء أقصر ما تكون بنانه، إذا طال لسانه.
وإنما يتلمظ بحلاوة العرس، من احتمل مهر العرس.
أنَفُ الكريمِ من الدَّنِيَّةِ تاركٌ ... في عينِه العددَ الكثيرَ قليلاَ
والعارُ مَضَّاضٌ وليس بخائفٍ ... من حَتْفِه مَن خاف مهما قيلاَ
ولئن عاد إلى التعريض، والادعاء في إجادة القريض.
لم أدع في لساني فضلةً إلا أحضرتها، ولا في قلبي سجعةً إلا نثرتها.
ليعلم أن الكريم من أكرم الأحرار، واللئيم من ازدرى بالأخيار.
وأن الرياسة، حيث النفاسة.
وأني ممن إذا رمى صاد، وإذا قال أجاد.
وأن الحر إذا جرح أسا، وإذا خرق رفا.
ومن بسط عذر الأيام، فقد بسط عذر الأنام.
ومن جهل المتاع، فلينظر المبتاع.
جعل الله أوقات مولانا صافيةً من الكدر، خالصةً من الغير.
ومساعيه محمودة الأثر، وعلومه زاكية الثمر.
إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
أيا عاتباً لا أحمِلُ الدهرَ عَتْبَه ... عليَّ ولا عندي لأنْعُمِه جَحْدُ
سأسكتُ إجلالاً لعلمِك إنني ... إذا لم تكن خَصْمِي لِيَ اللُّجَجُ اللُّدُّ
ومن شعره النقي، ما كتبه لبعض أحبابه في صدر رسالة:
أيها السيدُ الذي أنا عبدُهْ ... والذي أنطَق المدائحَ مجدُهْ
لي إلى وجهِك الجميلِ غرامٌ ... في يديْه عَفْوُ اشْتياقي وكَدُّهْ
أنا إن زرتَ أو تخلَّفتَ عبدٌ ... بل ولُبِّي صفَا وحقِّك وُدُّهْ
يستوي في الوفاءِ قُربي وبعدِي ... وسواءٌ قُربُ الوليِّ وبُعدُهْ
سوف أُثْنِي على مودةِ مولىً ... ضاق عنها شكرُ الكلام وحَمدُهْ
وقوله في بعض الصدور:
حدَّثتُ باليَاسِ منك النفسَ فانصرفتْ ... واليأسُ أحْمدُ مَرجُوعاً من الطمعِ