فرأينا النقاوة فانتقيناها، واريناه النفاوة التي انتفيناها.

فأوتر لذلك قوس غضبه بوتر المثالب، ورمى المملوك من تعنته بكل سهم صائب.

وتكشف عن خلق ليس بينه وبين الجميل نسب، ولا له إلى التثبت طريقٌ ولا مذهب.

وهو بسيف تعسفه صائل، ولم يعلم قول القائل:

إن بِعضاً من القَرِيض هُراءٌ ... ليس شيئاً وبعضُه إحكامُ

منه ما تجلِبُ البراعةُ والفضْ ... لُ ومنه ما يجلبُ البِرْسَامُ

فلما رأى أني لست ممن تغتاله غوائله، ويصطاد في حبائله.

وأني وإن طلبت للشعر عيباً ألفيته، وإن كافحني قرنٌ لقيته.

وأنه إنما تخضع الرقاب لمن وجدت فيه فضلا، وتنقل الأقدام إلى من كان للزيارة أهلا.

فأضرب عن المجادلة صفحا، وسحب ذيل تناسيه على رسم المساجلة مرحا.

ثم لما ودعنا، وغاب شخصه عنا.

حملناه على أحسن محمل، ونسبناه إلى ما هو من الجميل أجمل.

ولم نعلم أنه ركض علينا في ميدان حضرتك، ووضع قدم قوله حيث شاء من الملام في سدتك.

وما لكلام الناس فيما يَرِيبُنِي ... أصولٌ ولا للقائلين أصولُ

أُعادَى على ما يُوجِب الحبَّ للفتى ... وأهدأُ والأفكارُ فِيَّ تجُولُ

فلم أشعر إلا منذراً إيعاد مولاي علاه لدى الباب، يذكر ما حصل لجنابه من التحمل والاضطراب.

فيا لله العجب كيف أصغي للنميمة، وبالغ كل المبالغة في الشتيمة.

ولم يلهم أن الروايات تمر وتعذب، والحكايات قد تصدق وتكذب.

ولم أرَ في عيوبِ الناسِ عيباً ... كنقْصِ القادرين على التَّمامِ

وربما صدق مولانا ما نقل إليه، وما عرض من الافتراء عليه.

من أني استهجنت شعره الرائق، واستوجمت نثره الفائق.

أو من تقدمه من متقدمي هذه الصناعة، وجالبي هذه البضاعة.

من كل من إذا رام اقتناص نوادر بديعية ابتدعها، أو غاص في بحار المعاني على جواهر اختراعية اخترعها.

أو قال أبياتا أبرزها غررا، أو نظم فقراً جعلها دررا.

وأنا أعيذ سيدي أن ينظر الذنب الخفي، أو يتغافل عن العذر الجلي.

تطيعُ الحاسدينَ وأنت امرؤٌ ... جُعِلتُ فِداؤُه وهُم فدائِي

أأنطِق فيك هُجْراً بعد عِلْمي ... بأنك خيرُ مَن تحت السماءِ

وهَبْني قلتُ هذا الصبحُ ليلٌ ... أيَعْمَى العالَمونُ عن الضِّياءِ

وإنما طريق العلم نهجً تستوي فيه الأقدام، ومورد الفضل مشرعٌ تتشارك فيه الأفهام.

ولكني أقول:

أرى المُتشاعِرين غَرُوا بذَمِّي ... ومَن ذا يحمَد الداءَ العُضالاَ

ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍ مريضٍ ... يجدْ مُرّاً به الماءَ الزُّلالاَ

فوالذي حرم وطء حرم الأعراض، وعظم أجر غرض أسهم الأغراض.

ما يليق بشأنك، ولا يحسن بعلو مكانك.

أن تكون خفيف ركاب الغضب والرضا، أو تكون رخيص مهر الحب والقلى.

وأن تسارع إلى شنيع العتب، أو تسلف العقوبة قبل ارتكاب الذنب.

ولقد عجبت كل العجب حيث لم تدرك الصواب، في تعيين بشاعة الجزاء. وشناعة العقاب.

وأنت المشهور بالصواب في أحكامك، والمعروف بإصابة اليقين بسهام أوهامك.

وفي حل عقد المشاكل، كما قال القائل:

قاضٍ إذا الْتَبس الأمْرانِ عَنَّ له ... رأيٌ يُخلِّص بين الماءِ واللبنِ

الفاصلُ الحكمَ عَيَّ الأوَّلون به ... والمُظهِر الحقَّ للسَّاهِي على الذَّهِنِ

فلو عرفت وجه سخطك، وتبينت موجب شططك.

لتحملت دونك الوزر في ظلمي، ولكنت مقدمتك إلى سبي وذمي.

ولأزمعت أن أضع نفسي في الكفة التي وضعتني فيها، وأن أنزلها في المنزلة التي أهلتني لها.

لعلمي أن حكومتك لا تنقض، وحجتك لا تدحض.

لكن يتواضع الليث لصيد الأنب، وافتراس الثعلب.

وإن كان يصطاد الفيل، ويفترس العندبيل.

حسبُك اللهُ ما تضلُّ عن الحقِّ ... ولا يَهْتدي إليك أَثامُ

لم لَمْ تحْذَرِ العواقبَ في غَيْ ... رِ الدَّنايا وما عليك حَرامُ

والعقاب الذي حكم به مولانا على عبده مرضي، وقضاؤه على مملوك رقه مقضي.

لكن حيث كان الخوض في شعر الناقل محصورا، والنقد على زيوف محصول ديوانه مقصورا.

لو قصرتم السبب على ذلك المسبب، لكان أظهر للإعلال وأنسب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015