على سرد بعض منتقى أوصافه الفاخرة، ووصف فيض ملتقى بحر علومه الزاخرة.

عَلامةُ العلماءِ والبحرُ الذي ... لا ينتهي ولكل لُجٍ ساحلُ

يدْرِي بما بِكَ قبلَ تُظهِرُهُ له ... من ذهنِه ويُجيب قبلَ تُسائلُ

وتراه معترضاً لنا ومُولِّياً ... أحْداقُنا وتحارُ حين يُقابلُ

كلماتُه قُضُب وهنَّ فواصلٌ ... كلُّ الضَّرائبِ تحتهنَّ مَفاصلُ

مقطعاته كالسحر الحلال، والسلسبيل السلسال.

والمثل السائر، والنادر المنجد والغائر.

لا يمكن الاحتذاء على مثالها، ولا تطول أعناق الهمم إلى مثالها.

إن شبه فالمعتزيات واجمة، أو أغرب فالمغربات راغمة.

ذو الأخلاق الأريحية، والأحكام الشريحية.

والشجاعة العنترية، والنصائح البحترية.

من هو في الزهد كأويس، وفي الحلم كالأحنف بن قيس.

إياس الزكن، عريٌّ عن اللحن واللكن.

كان قدما أبوه في العلم والزهد يساوي سميه زكريا، فاقتفى أثره وأربى عليه وله صار وارثاً ووليا.

أنهي إليك أيها المولى الباذخ فخاره، الشامخ على النجم مناره.

أن هذا بعض ما أدركه أسير امتهانك، وهدف سهام امتحانك.

من بعض أوصاف حميد شيمك، التي حويتها بعلي هممك.

التي أفحمت كل معارض يجارى، وأوجمت كل معاندٍ يمارى.

ورجمت مناويك بشواظٍ من نار، وألجمت كل ذي لسنٍ يقاويك بلجام العي والبوار.

فكيف أقوى بعد جرمي بها، وتحقق وهمي فيها، على سل مرهف المقال، والتجاسر في حضرتك على إطلاق عنان المقال.

مع علمي بصلود قدحي، ومعرفتي وسم قدحي.

وإني إن جعلت نفسي لسهام سطوتك هدفا، أوردتها من وخيم مناهل بطشك تلفا.

ثم لا أجد لي من الانتساب إلى معرفة جنابك شافعا، ولا من الانتماء إلى خدمة أعتابك عن أليم عقابك دافعا.

وما عسى أن أقول، وعلى أي قرنٍ أصول.

وأنت سحبان وائل، وأنا أعيى من باقل.

ولقد عُرِفتَ وما عُرِفت حقيقةً ... ولقد جُهِلتَ وما جُهِلت خُمولاَ

ما كلُّ من طَلب المعالي نافِذاً ... فيها وما كلُّ الرجال فُحولاَ

والرسالة التي تقوم بعدة رسائل، هو ما قال القائل:

تأخَّرتُ أستبقي الحياةَ فلم أجدْ ... لنفسِي حياةً مثل أن أتقدَّمَا

فلستُ بمُبْتاعِ الحياة بذلَّةٍ ... ولا مُرْتَقٍ من خشْية الموت سُلَّمَا

وكنت برهةً طالما اقتدحت زناد فكري، في وصف معاليك فما قدح، واستصدحت عندليب شعري، في وصف مساعيك فما صدح.

فأصبحت من زخارف آمالي، وزيف نقود أعمالي، على ركية جفت مذانبها، وروضةٍ اغبرت جوانبها.

وصرت الآن كقطاةٍ لم يعلق لها جناح، علق بها من جأشك لا من الأيام جناح.

ونصبت لها في حرمك الأشراك، وأعوزها البشام والأراك.

والذي حول حمالي، وهيج بلابل بلبالي.

هو ما أنا شارحه، وبين يديك الكريمتين طارحه.

سمعتُ حديثاً ما سمعتُ بمثلِه ... فأكثرتُ فيه فِكرتي وتعجُّبِي

وها أنا أُلْقيه إليك مُفصَّلاً ... فدونك فاسْمعْ ما يسرُّك واطْرَبِ

وذلك أنا صادفنا خلسةً من خلس الاتفاق، في مجلس بعض الموالي الرفاق.

الذين حضور مجالسهم شرف دهر، واستئناف عمر، ورفعة قدر.

والذين هم عيون أعيان أصدقائك، وأجل جلة محبيك وأخلائك.

نتنافث فيه رقى الأشعار، ونتساجل من فقرها ما يفعل في العقول فعل الأسحار.

ونتفاوض منها في المحكم والمتشابه، والشرط الذي لا يحسن القريض إلا به.

مع سادةٍ هم لعمري نجوم الفضل والأدب، وبدور الحسب والنسب.

فبينما نحن نجول في تلك الحلبة، ونرتشف من مخض تلك الحلبة.

إذ سقط علينا من السما، وفاجأنا من العما، من أسكرته حميا قربك، وأقعس منكبيه كونه من حزبك.

فهو لا يرتضي غير حاله حالا، ولا يعد غير قاله قالا.

فجعل ينص لنا من مخدرات أبكار أفكاره، ويجلو علينا من قاصرات نظامه ونثاره.

ما زعم أنهن كاللؤلؤ والمرجان، لم يطمثهن إنسٌ قبله ولا جان.

ولنا القولُ وهو أدْرَى بفحْوا ... هُ وأهدى فيه إلى الإعجازِ

ومن الناسِ من يمُرُّ عليه ... شعراءٌ كأنها الخَازِبَازِ

فاعتقدنا ما اعتقدنا، ونقدنا ما نقدنا.

وأقمنا لبضاعة قريضه سوقا، ونهجنا للأخذ والعطاء فيه طريقا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015