بيننا نَرُود برَوْضٍ ... يوماً مع الأحْلافِ
وطيرُه في وِفاقٍ ... ولَحْنُها في اخْتلافِ
إذْ صاح منها غُدافٌ ... تَعْساً لذاك الغُدافِ
قد بَان كلٌّ عن الإلْ ... فِ وهْي ذاتُ الإَفِ
منها:
عسَى ليالٍ تقضَّتْ ... يعُدْنَ بالإسْعافِ
آهٍ عليها فآهٍ ... قد أسرعتْ في التَّجافِي
مضَتْ سريعاً وولَّتْ ... كمثلِ دُهْمٍ خِفافِ
مرَّتْ كخاطفِ بَرْقٍ ... وطِرْنَ كالخُطَّافِ
قد كُنَّ شَامَ زَمانِي ... كالشَّامِ في الأرْيافِ
دمشقُ أعْنِي ودامتْ ... مُخْضرَّةَ الأكْنافِ
شوقي لها كلَّ حينٍ ... يزْداد بالأضْعافِ
أصْبُو إلى بَرَداها ... بلَوْعةٍ والْتِهافِ
نسيمُها وهْو ذُو عِلَّ ... ةٍ لدائِيَ شافِي
أنهارُها لجيوشِ الْ ... همومِ كالأسْيافِ
بها حدائقُ فاقتْ ... في أحسنِ الأوْصافِ
تلك الحدائقُ تحكي ... صفاتِ خِدْنِي المُصافِي
منها:
يا مَن له كابْنِ بُرْدٍ ... بُرْدٌ من الفضلِ ضافِي
يا ظافراً بقوافٍ ... أعْيَتْ عُوَيْفَ القَوافِي
عويف القوافي، هو: عويف بن معاوية بن عقبة الفزاري.
من شعراء الدولة الأموية.
وإنما قيل له عويف القوافي لبيت قاله، وهو:
سأُكذِبُ مَن قد كان يزْعُم أنني ... إذا قلتُ قولاً لا أُجِيد القوافيَا
أتْحَفتنا بقرِيضٍ ... أحْسِنْ بذا الإتْحافِ
فَائِيَّة ما رأيْنا ... مِثْلاً لها في القوافِي
ما من سِنادٍ خَلِيلِي ... بها ومِن إصْرافِ
السناد: اسم لكل عيب يحدث للحروف والحركات قبل الروي.
والإصراف: اختلاف المجرى، وهو الحركة في الروي، بالفتحة والضمة.
وإذا كان بالضمة والكسرة فهو الإقواء.
وأما الإكفاء، فهو تقارب حرفي الروي في المخرج، كالنون مع الميم.
والإجازة هو بعدهما في المخرج، كالباء واللام.
زفَفتَ بِكْراً عَرُوباً ... إليَّ خيرَ زَفافِ
بِخَتْمِها بلَغتْني ... مَصونةً في السِّجافِ
عتبْتَ في تَرْكِ كُتْبِي ... إليكَ والعَتْبُ شافِي
لا تَعْذُلَنِّي فهذا ... حَوْبُ الزمانِ المُجافِي
وإن يكنْ ذاك ذَنْبِي ... فاصْفَحْ ومثلُك عافِي
ما أجملَ الصفحَ عن ذنْ ... بِ مجرمٍ ذي اعْترافِ
واللهِ ربِّي الذي لا ... تخْفَى عليه الخَوافِي
حُبِّيكَ في كلِّ حينٍ ... يكون في استحْصافِ
رأسٌ كقافٍ وإن كا ... ن بيْننا بُعْدُ قَافِ
لا زلْتَ ترْفُل عِزّاً ... وثوبُ قدْرِك ضَافِي
عبد اللطيف، المعروف بأنسي أعجوبة الأقطار والأمصار، وشرك العقول وقيد الأبصار.
وحسنة هذا النوع الإنسي، وعذر الزمن عن ذنب به أنسي.
اشتعلت بأسماره فحمة الليل، وجرى في روض أخباره نهر الصبح مثل السيل.
بحسن بيان يسحب ذيله على سحبان، ولطف تعبير يجر مطرفة على جرير وحسان.
وأحاديث هي مراوح النفوس من كد الفكر، ومصفاة القلوب إذا أبقت فيها الحوادث أثر العسكر.
ومناسبات هي نزهة مسارح الأخبار، وحظ جارحة السمع من منح الاعتبار.
أشهى من لذة النشوان، وقطع الرياض، جرى فيها ماء البيان، وسقتها مياه الحياض.
وله في الفنون يدٌ تتناول الشمس، وتشبر البسيطة بالبنان الخمس.
فلو أدركه الرازي لقيل له دونك إمامك، أو ابن أرفع رأس، لقيل له ارفع رأساً وانظر من أمامك.
أو لحقه ابن وحشية لقرب له المتنافر البعيد، أو خالدٌ الغيور لكفاه هم التقطير والتصعيد.
فلو وضعت صنجات النجوم من نيران السماء في كفه، لم توازن مناقبه الغر ونسبت إلى طيشٍ وخفة.