فكفه توشي الأرض الزخارف، وتجر على وجه الرياض خضر الطارف.

وكان شديد العارضة في المعارضات، موفى العهد في المقارضات.

إلا أنه على جودة طبعه، وشفوفه في مادة نبعه.

زحلي الانتقال، والعثرة عنده لا تقال.

ينحرف من حيث يستقيم، ويعتل وشكل مادته عقيم.

ولهذا ابتلى في قضاه، بحكمٍ جرى على خلاف رضاه.

فجوزي باخترامه، في احترامه.

وقوبل باعتباطه، من اغتباطه.

فصعب عليه أمر العزلة وأشكل، إلى أن عقل أمانيه المطلقة وتوكل.

ثم حصل له إمدادٌ بالرجعة، فأحله فيما شاء من النجعة.

وأطلعت صفحته الصحو، ونشر بعد ذلك المحو.

ولما استقضى بمكة رأيته بالشام وهو يزدهي بالنسب الأوضح، ويتباهى بنبعةٍ فرعها في السماء ومغرسها سرة الأبطح.

وكان بينه وبين أبي حقوق، ما رميت قط بوصمة عقوق.

فاحتفل به احتفال الناس بالربيع إذا جَا، وهلال شوال إذا فاجا.

ثم جرى بينهما مخاطبات، وطرف مكاتبات.

ألذ من إغفاء الفجر، وأشهى من الوصل بعد الهجر.

ثم دخل الحجاز، فكان لوعد ارتحاله بها الإنجاز، وهكذا من كان في دار النقلة والمجاز.

فرحم الله انقطاعه إلى كرمه، والتجاه إلى رمه.

فمما دار بينه وبين أبي، ما كتبه إليه أبي:

يا ساكناً بشِغافِي ... وعن عيونِيَ خافِي

طوَّلتَ مدةَ هجرِي ... وبعضُه كان كافِي

كدَّرتَ بالبُعدِ عيِشي ... من بعد ما كان صافِي

لهفِي لطِيب ليالٍ ... مرَّتْ لنا بالتصافِي

حيث الشبابُ قَشِيبٌ ... والدهرُ فيه مُوافِي

وسالفٌ من زمانٍ ... تُدار فيه سُلافِي

من كفِّ رِيمٍ كغُصْنٍ ... يميلُ بالأعْطافِ

يزْهُو بورْديِّ خدٍ ... يُزْرِي بوَرْد القِطافِ

زمانُ لَهْوِي تقضَّى ... برَوضةٍ مِئْنافِ

تُسْقَى من السُّحبِ وَبْلاً ... بعارضٍ وَكَّافِ

يا دهرُ رِفْقاً بصَبٍ ... حتى متى ذا التجافِي

وعدْتني بالأماني ... فكُن بوعدِك وافِي

واسمحْ برؤيةِ مَوْلىً ... سليلِ عبدِ منافِ

منها:

مولايَ يا بحرَ فضلٍ ... طَامٍ من الجود طافِي

وفائزاً بقوافٍ ... أعيتْ لَعَمْرِي ابنَ قافِ

أنت الغنِيُّ بمَدْحي ... عن كثرةِ الأوصافِ

فلا تظنَّ بأنِّي ... لِسابقِ الوُدِّ جافِي

لو كنتُ أعلم أمرِي ... لكنَّ أمْرِيَ خافِي

لَكان سَعْيِي إليكمْ ... وفي حِماكم طَوافِي

فرَبْعُ غيرِك عندي ... مولايَ كألأعْرافِ

إن رُمْتَ تفْصيلَ حالِي ... من الزَّمانِ المُجافِي

ما إن تمنَّيتُ شيئاً ... إلا أتى بالخلافِ

من جَوْره ضاق صدري ... فسِحْتُ في الأريافِ

حتى حَللْتُ بمصرٍ ... من بَعْد قطْع الفيافِي

فلم أجِدْ ليَ فيها ... غيرَ الثلاثِ الأثافِي

فلا صديقٌ صَدُوقٌ ... ولا حبيبٌ يُوافِي

هذا زمانٌ عجيبٌ ... ما فيه خِلٌّ مُصافِي

والفضلُ قد صار ذَنْباً ... وللرَّواجِ مُنافِي

منها:

واعذُرْ بفضلِك فكرِي ... ضاقتْ عليه القوافِي

ودُمْ بسَعْدك تسْمُو ... عُلاً على الأسْلافِ

فأجابه بقصيدة طويلة، مستهلها:

يا خيرَ خِلٍ مُصافِي ... لازال وِرْدُك وافِي

أين الزمانُ الذي قد ... كُنَّا به في التَّصافِي

ما بيْننا غيرُ وُدٍ ... ما بيْننا من خِلافِ

طَوْراً نُرَى من رياض الْ ... علومِ في الاقتطافِ

وتارةً من بحار الْ ... قَرِيض في الاغْترافِ

كنَّا كمثلِ الثُّرِيَّا ... بصُحبةٍ وائْتلافِ

فصيَّرَتْنا بناتِ النَّ ... عْشِ الليالِي الجَوافِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015