أيبْقَى العنكبوتُ بلا جناحٍ ... أعَدَّ الله للرزقِ الجناحَا
ولي أنا فيه من المدائح قصائد محررة، وبرودٌ خِطتْها من جَيِّد الثناء وهي بالقوافي مزررة.
فمنها قصيدة أهديتها له عند دخولنا القاهرة، مستهلها:
على رَسْمِها بالمُدَّعِي من مَآلفِ ... أقامتْ هَزِيماتُ الحيا المتضاعفِ
ونسختها اختص بها وحده، فلهذا لم أذكرها.
وكان له ولد طاهر النشأة وقورها، مبذول المكارم موفورها.
انتقل بمصر إلى عفو الله ورضوانه، وخلى القلوب تعالج لواعج أحزانه.
فكتبت إليه أسليه:
هو الرَّدَى للمرء بالمرصادِ ... والكونُ كلُّه إلى النَّفادِ
وهذه الدنيا التي نعرفُها ... ما هي إلا مَنْشأُ الأنْكادِ
أنكرتُها وأنكرتنْي وأنا ... إذْ ذاك ما وُضعتُ في المِهادِ
فلو أكُنْ أملكُ روحي في يدي ... أطلقْتُها من ساعة الميلادِ
مالي وإيَّاها وكلِّي ألْسُنٌ ... على فَواتِ عُمُرِي تُنادِي
ومن يمتْ أحْسَب يلْقَى راحةً ... ولا أقَلّ من أذَى الأضْدادِ
ويكتفي مع الورى في خَلطٍ ... مشَّقةً متاعبَ الجهادِ
وقد فقدتُ مَن مضَوا ومعهمْ ... راحلتِي من المُنَى وزادِي
وفيهمُ مَن لو يُفدَّى مَيْتُهُ ... فدَيْتُه بحَبَّةِ الفؤادِ
ومن إذا ذكرتُ عهدَ قُرْبِه ... ودَّعتُ عند ذكرِه رَشادِي
ومَن هواه لم يزلْ في خَلَدِي ... مُنَزَّلاً منزلةَ اعْتقادِي
ريحانةُ المجدِ التي بِعَرْفها ... تعطَّرتْ مَعاطِسُ الأمجادِ
قد نقَد الفضلَ صفاتُه التي ... حَلتْه نَقْد الحُسْنِ للجيادِ
وكان في عيْن الزمانِ نُورَها ... قد حلَّ منها داخلَ السَّوادِ
ومَن رآه في بُروجِ سَعْدِه ... فقد رأى أهِلَّةَ الأعيادِ
مضَى سعيداً والرِّضا زميلُه ... مُصاحبُ الإسْعافِ والإسعادِ
فكلُّ بُقْعةٍ به عاطرةٌ ... تنْفح نَشْرَها بكلِّ وادِ
فما على من شَمَّ مِسْكاً أذْفَراً ... من تُربِه مُضَمَّخَا بِجَادِي
لا زال في جنانِ عَدْنٍ ثاوياً ... يحْبُوه لطفُ المنْعم الجَوادِ
وباكرتْ مَضْجَعه من الرِّضا ... غُرٌّ يحثُّها الصَّبا غَوادِ
والله يقْضي لمُصابِ فَقْدِه ... بالصبرِ والجزاءِ في المَعادِ
ولا يزال عمرُه عُمْرَ الورى ... لا ينْقضي لأبَدِ الآبادِ
فهو الذي تُرشِدنا علومُه ... ورأيُه للخير خيرُ هادِ
وقلت وأنا برشيد في خدمته أودعه، وكان المرض أقعدني عن رفقته، لمشيئة الله وحكمته:
أفارقُ من أوَدُّ به التلاقِي ... وأخْتار الحِمامَ على الفِراقِ
وأذكر عهدَ لَيْلاتي المَواضِي ... فأنْدُبها بتَذْكارِ البَواقِي
ولو كانتْ دمشقُ ثَنَى عِنانِي ... ولا ألْقاك عِفْتُ بها اعْتلاقِي
فأنت إذا بعُدتَ فألْفُ بُعْدٍ ... لآمالي ولا بَرِح اشْتياقِ
ولولا الضَّعفُ ما اخترتُ التَّواني ... ولا سلَّمتُ للبلْوَى وَثاقِي
فعُذْراً إنني والحظُّ قِدْماً ... تعاهدْنا على عدَم الوِفاقِ
إذا ما رُمْتُ أمْراً فيه نُجْحِي ... يُعاكِسه ويجْهَد في شِقاقِي
فيا صبْري فديْتُك مِن مُطِيقٍ ... ويا بُؤْسي عدِمتُك من مُطاقِ
وأنت أيا مُنَى قصْدِي خبيرٌ ... بما ألْقَى وما أنا بعدُ لاَقِ
فلا تُهْمِل لعبْدك رَعْىَ وُدٍ ... ودُمْ طولَ الزمان وأنت باقِي
السيد عبد الله، المعروف بابن سعدى روضٌ متهدل الغصون، من شجرة السرو المصون.
لم يرق أفصح منه براعة بيان، ولم يشق أنقش منه يراعة بنان.