وسلّم نفسه، وآن أن تأفل من تلك المطالع شمسه، آذن آمّته بالفراق وأعلمهم، وناشدهم في أخذ القصاص وكلّمهم، مخافة أن يمضي إلى الملك الحق، وعليه تباعة لأحد من الخلق، وحاشاه عليه الصلاة والسلام، من صفات جائر للأمّة ظلاّم، ولكنّه تعريف من نبي الرحمة بما يجب وإعلام، ثم استمر به صلوات الله وسلامه عليه وتمادى، وزاد به السقم المنتاب وتهادى، حتى واراه ملحده، وخلا منه ربعه ومسجده، فعمّ الحزن والاكتئاب، وتوارى النور فأظلم الجناب، وعاد الأصحاب، وكأنّما دموعهم السحاب، فقالت فاطمة وقد رابها من دفن أبيها الكريم ما راب: أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم التراب فكأن كلامها للقلوب المفجعة كلام، وللعيون المفجرة بالدموع انسفاح وانسجام.

وفي مثل هذا الشهر شهر ربيع، المشيد بذكر الأشجان المذيع، كانت وفاة هذا النبي الهادي الشفيع، وانتقاله إلى الملإ الأعلى والرفيق الرفيع، هحين ناداه ربّه إلى قربه، فلبى بشوق قلبه تلبية المهطع المطيع، وحنّ إلى حضرة القدس فانتظم حين حل بها ما كان من شمله الصديع، وانتظر من صنع الرب جميل الصنيع، وإنجاز وعد الشفيع في الجميع، إذ أعطي لواء الحمد وقام محمود المقام، ووقف على الحوض ينادي: هلموا إليّ أروكم من العطش والأوام.

اللهم اسقنا من حوضه المورود، وشرّفنا بلوائه المعقود، وشفّعه فينا في اليوم المشهود، وارحمنا به إذا صرنا تحت أطباق اللّحود، اللهم اعجعله لنا تعزية من كل مفقود، وأوجد لنا من بركاته أشرف موجود، وجازه عنّا بما أنت أهله من فضل وإحسان وجود، وانفعنا بمحبته ومحبة آله وصحابته الرّكّع السّجود، واجعلنا معهم في الجنّة دار الخلود ودار السلام. واخصصهم عنّا بأكرم تحيّة وأفضل سلام، وصلّ عليهم صلاة تستلم أركان رضوانك أيّ استلام، وتنتظم له كرامات إحسانك أيّ انتظام.

فصلوات الله عليه، وأطيب تحياته ورحمته تتوالى لديه، وأجزل بركاته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015