وأطيلوا مع ذلك التنقير عنهم والتنقيب، ولا تغفلوا عن التعهد بالبحث البعيد منهم والقريب، ومن عثرتم له على منكر من استباحة دم أو مال، وإضاعة للحقوق وإهمال، فخذلوا على يده، وجازوه بفاسد مقصده، وأنزلوه بالمنزل الأقصى، وعاملوه معاملة من أوصيَ بتقوى الله فما استوصى.
واصرفوا نظركم إلى القضاة فإن مدار الشريعة إنّما هو على ما يستند إليهم، ويقصر من الأحكام عليهم، فإذا كانوا من أهل العلم والديانة، وذوي النزاهة والصيانة، أمسكهم الورع بزمامه، وبلغ العهد بهم غاية تمامه، وإذا كانوا بضدّ هذا قبلوا الرشوة، وأوطأوا العشوة، وأطالوا النشوة، وأحلّوا من الدماء والفروج محرمها، وطمسوا من السنّة بالميل والمين معلمها، وحكموا بالهوادة والهوى، وطووا من الحق ما انتشر ونشروا من الباطل ما انطوى، فانتقوهم فهم أولى بالانتقاء، وشرّ جاسرهم وجاهلهم أحق بالاتقاء، ولا تقدموهم ولا غيرهم بالشفاعات والوسائل، ولكن قدموهم بتورعهم في القضايا وعلمهم بالمسائل.
وممّا نؤكد عليهم فيه أمر الشهود؛ فإن شهادة الزور هي الداء العضال، والظلمة التي يتستر بها الظّلمة والضّلاّل، والحجة الداحضة التي بها يحلّل الحرام ويحرم الحلال، وقد كثر في هذا الزمان أهل الشهادة الفاسدة، ونفقت بهم سوق الأباطيل الكاسدة، فتقدموا إلى القضاة وفقهم الله تعالى أن لا يقبلوا إلاّ مشهوراً بزكاء وعدل، موفوراً حظّه من رجاحة وعقل، ومن كان مغموزاً عليه في أحواله، منبوزاً بالاسترابة في شهادته وأقواله، فلتردّ شهادته على أدراجها، وليبطل ما يكون من حجاجها. وأكدوا عليهم عند تعارض العقود في الترجيح، والنظر في التعديل والتجريح، لتجري أمور المسلمين على مستوى الحقّ المستبين، وتبدو المعدلة مشرقة الغرّة مؤتلفة الجبين.
وممّا نأمركم به أن تبحصوا عن العمال، ولا تولّوا منهم إلا الحسن الطريقة المرضيّ الأعمال، ومن لم يكن منهم جارياً على القوانين المرعية، ناصحاً لبيت المال