المسلمين التي حملنا منها أمانة كبيرة وعبئاً ثقيلاً، ونقف بالضراعة بين يديه، طلباً لما يخلصنا لديه، عساه أن يجعل لرغبتنا قبولاً وتوسيلاً، ونعوذ به من كل عمل لا يكون حاصله إلا مآلاً وبيلاً، وعرضاً من الدنيا قريباً ومتاعاً قليلاً.
إنّا - والله المرشد - لنعلم أن هذا الأمر الذي قلدنا الله تعالى منه ما قلّده، وأسنده إلينا من أمور خلقه فيما أسنده، قد ألزمنا من حقوقه الواجبة، وفروضه الراتبة، ما لا يستطاع إلاّ بمعونته أداؤه، ولا يستتبّ إلاّ بتوفيق الله تعالى انتهاؤه وابتداؤه، فهو المشكور عزّ وجهه على نعمته، والمستعان على ما يدني من رضاه ويقرب من رحمته، وأن كل امرىء بشأنه مشغول، وعن خويّصة نفسه مسؤول، ونحن بما استرعانا الله تعالى مشغولون، وعن الكبير والصغير مسؤولون، وعلينا النصيحة لله في عباده وبلاده، والنظر لهم بمنتهى جدّ المجتهد واجتهاده، ولا قوّة إلا بالله عليه توكلنا، وبه إليه توسّلنا، فعيننا تسهر لتنام للرعية عيونهم، وتحركنا يتصل ليحصل لهم سكونهم، وأملنا أن لا نقر فيهم بحول الله تعالى ظلماص ولا هضماً، ولا نخرم لهم في إقامة حقوق الله ما استطعنا نظماً، وأنّى ينصرف عن هذا القصد بعمله ونيته، من يعرف أن الله جل جلاله لا يجوّز ظلم ظالم في بريته، ولعل الله الذي حملنا ما حملنا، واستعملنا بمشيئته فيما استعملنا، أن يهب لنا توفيقه، ويسلك بنا إلى هداه طريقه.
ألا وإن من ولّيناه أمراً من أمور المسلمين فهو مطلوب به، وموقوف عليه عند ربه، فلينظر امرؤ في جزئية ما نيط به وكليته، وليراقب فيما لديه عالم خفيته وجليته، ألا وكلكم راعٍ وكلّ راع مسؤول عن رعيته، فمن حفظ الله حفظه الله في نفسه وآله، وقضى له بالسعادة في حاله ومآله، وأنجاه يوم عرضه وسؤاله، والخلق عيال الله فأحبهم إليه أحبهم لعياله. العدل العدل فبه قامت السموات والأرض، وبإقامته أقيمت السنّة والفرض " اعدلوا هو أقرب للتّقوى " المائدة: 8 وأقوى ما تشتد به أركان الدين وتقوى، أما إن الحق في أن لا تتعدى