وأغفلت إلى زمنكم الحسنة المذخورة، والمنقبة المبرورة، وهي بيمارستان يقيم منكم المرضى المطّرحين، والضعفاء المغتربين منهم والمعترضين في كلّ حين، فأنتم تطرونهم بالأقدام، على مرّ الأيّام، ينظرون إليكم بالعيون الكليلة، ويعربون عن الأحوال الذليلة، وضرورتهم غير خافية، وما أنتم بأولى منهم بالعافية، والمجانين تكثر منهم الوقائع، وتفشو منهم إماتة العهد الذائع، عار تحظه الشرائع، وفي مثله تسدّ الذرائع.
وقد فضلتم أهل مصر وبغداد، بالرباط الدائم والجهاد، فلا أقل من المساواة في معنى، والمنافسة في مبنى، يذهب عنكم لؤم الجوار، ويزيل عن وجوهكم سمات العار، ويدل على همتكم، وفضل شيمتكم، أهل الأقطار، وكم نفقة هانت على الرجل في مشروع، وحرص اعتراه على ممنوع، فأسرعوا فالنظر في هذا المهم خير مشروع، ولولا اهتمامنا بمرتزقة ديوانكم، وإعدادنا مال الجباية للمجاهدين من إخوانكم، لسبقناكم إلى هذه الزّلفة، وقمنا في هبذا العمل الصالح بتحمّل الكلفة، ومع ذلك فإذا قدناكم إلى الجنّة ببنائه، وأسهمناكم في فريضة أجره وثنائه، فنحن إن شاء الله تعالى نعيّن له الأوقاف التي تجري عنها المرفقة، وتتصل عليه بها الصدقة، تأصيلاً لفخركم، وإطابة في البلاد لذكركم، فليشاور أحدكم همّته ودينه، ويستخدم يساره في طاعة القصد الكريم ويمينه، ونسأل الله تعالى أن يوفّق كلاًّ لهذا القصد ويعينه، ومن وراء هذه النصائح عزم ينهيها إلى غايتها، ويجبر الكافة على اتباع رأيها ورايتها، فأعملوا الأفكار فيما تضمنته من الفصول، وتلقّوا داعي الله تعالى فيها بالقبول، والدنيا مزرعة الآخرة، وكم معتبر للنفوس الساخرة، بالعظام الناخرة " يا أيّها النّاس إنّ وعد الله حقّ فلا تغرّنّكم الحياة الدّنيا، ولا يغرّنّكم بالله الغرور " فاطر: 5 وأنتم اليوم أحقّ النّاس بقبول الموعظة نفوساً زكية، وفهوماً لا قاصرة ولا بطيّة، وموطن جهاد، ومستسقى غمام