تأليفه، وأصاب في تمييزه بهذا الاسم وتعريفه، فهو في اللطافة كالماء في إروائه، وكالهواء المعتدل في ملاءمة الأرواح بجوهر صفائه، وكالسلك إذا انتقي جوهره وأجيد في انتقائه، قد أينعت ثمرات فضائله فأصبحت دانية القطوف، وتجلت عرائس بلاغته فظهر بدرها بلا كسوف وانجابت ظلمات الهموم بسماع موصول مقاطعه التي هي في الحقيقة لأذن الجوزاء شنوف، فأكرم به من كتاب ما الروض بأبهى من وسيمه، ولا الرّيحان بأعطر من شميمه، ولا المدامة بأرق من هبوب نسيمه، ولا الدرّ بأسنى زهراً بل زهواً من رسومه، إذا تدبره الأديب أغنته تلك الأفانين، عن نغمات القوانين، وإذا تأمّله الأريب نزه طرفه في رياض البساتين، قد سوّر على كل نوع من البديع باب، لا يدخله إلا من خص من البلاغة باللّباب، والله تعالى يؤتيه الحكمة وفصل الخطاب، ويمتع بفضائله التي شهدها أهل العلم وذوو الألباب، بمنّه وكرمه، وكتبه محمد بان يعقوب الشافعي.

وكتب الصفدي شارح لامية العجم بما نصّه: وقفت على هذا المصنّف الموسوم بنسيم الصّبا، والتأليف الذي لو مرّ بالمجنون لم ألف ليلاه ولا مال إليها ولا صبا، والإنشاء الذي إن شاء قائله جعل الكلام غيره في هبّات الهواء هبا، والنثر الذي أغار قائله على سبائك الذهب الإبريز وسبى، والكلام الذي نبا عنه الجاحظ جاحداً وما له ذكر ولا نبا، فسبّحت جواهره حروفه لمن أوجده في هذا العصر، وعلمت أن ألفاظه ترمي قلوب حساده بشررٍ كالقصر، وتحققت أن قعقعة طروسه أصوات أعلامه التي تخفق له بالنصر، وتيقنت أن سطوره غصون لا تصل إليها كف جناية بجنىً ولا هصر:

وقلت لأهل النظم والنثر قابلوا ترائبها مصقولة كالسجنجل

وميلوا بأعطاف التعجب إنّها نسيم الصّبا جاءت بريّا القرنفل

ولما ملت بعدما ثملت، وغزلت بعدما هزلت، جردت من نفسي شخصاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015