وقد كان الراعي يقول: هجوت جماعة من الشعراء، وما قلت فيهم ما تستحي العذراء أن تنشده في خدرها.
ولمّا قال جرير:
فغضّ الطّرف إنّك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلابا
أطفأ مصباحه ونام، وقد كان بات ليلته يتململ، لأنّه رأى أنّه قد بلغ حاجته وشفى غيظه.
قال الراعي: فخرجنا من البصرة فما وردنا ماء من مياه العرب إلا وسمعنا البيت قد سبقنا إليه، حتى أتينا حاضر بني نمير فخرج إلينا النساء والصبيان يقولون: قبّحكم الله وقبّح ما جئتمونا به.
والقسم الثاني: هو السباب الذي أحدثه جرير أيضاً وطبقته، وكان يقول: إذا هجوتم فأضحكوا، وهذا النوع منه لم يهدم قط بيتاً، ولا عيرت به قبيلة، وهو الذي صنّا هذا المجموع عنه، وأعفيناه أن يكون فيه شيء منه، فإن أبا منصور الثّعالبي كتب منه في يتيمته ما شانه اسمه، وبقي عليه إثمه.
ومن مليح التعريض لأهل أفقنا قول بعضهم في غلام كان يصحب رجلاً يسمّى بالبعوضة:
أقول لشادنكم قولةً ولكنّها رمزةٌ غامضه
لزوم البعوض له دائماً يدلّ على أنّها حامضه
وأنشدت في مثله قول بعض أهل الوقت:
بيني وبينك سرٌّ لا أبوح به الكلّ يعلمه والله غافره
وحكى أبو عامر ابن شهيد عن نفسه قال: عاتبت بعض الإخوان عتاباً شديداً عن أمر أوجع فيه قلبي، وكان آخر الشعر الذي خاطبته به هذا البيت: