أجريت ههنا طلقاً (?) من مليح التعريض، في إيجاز القريض، ممّا لا أدب على قائليه، ولا وصمة عظمى (?) على من قيل فيه، والهجاء ينقسم قسمين: فقسم يسمونه هجو الأشراف وهو ما لم يبلغ أن يكون سباباً مقذعاً، ولا هجواً (?) مستبشعاً، وهو طأطأ قديماً من الأوائل، وثلّ عرش القبائل، إنّما هو توبيخ وتعبير، وتقديم وتأخير، كقول النجاشي في بني العجلان، وشهرة شعره منعتي عن ذكره، واستعدوا عليه عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وأنشدوه قول النجاشي فيهم، فدرأ الحد بالشبهات، وفعل ذلك بالزبرقان حين شكا الحطيئة، وسأله أن ينشد ما قاله فيه، فأنشده قوله:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي
فسأل عن ذلك كعب بن زهير، فقال: والله ما أودّ بما قال له حمر النعم، وقال حسان: لم يهجه، ولكن سلح عليه بعد أن أكل الشّبرم، فهمّ عمر، ورضي الله تعالى عنه، بعقابه، ثم استعطفه بشعره المشهور.
وقال عبد الملك بن مروان يوماً: أحاسبكم (?) يا بني أميّة، فما أود أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس وأن الأعشى قال فيّ:
تبيتون في المشتى ملاءً بطونكم وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا
ولمّا سمع علقمة بن علاثة هذا البيت بكى، وقال: أنحن نفعل هذا بجاراتنا! ودعا عليه، فما ظنك بشيء يبكي علاثة، وقد كان عندهم لو ضرب بالسيف ما قال حس.