ودالت الدولة بالأندلس في أثناء هذه الأحداث، وكان ما تقدم الإلماع به من الوثوب بها بالسلطان وتطريق النكبة لنا أولِي خَالِصَتِه، فمن بين ناج وشاجب، حسبما ثَبَت في موضعه من صدر هذا الديوان. واستمرت أيام الوزير المذكور بمراكش، وهو على الوصف مستوحشاً من نداء يقع من السلطان في أمره، أو غصص بمكانه، ولم يرشده الله إلى النظر لنفسه ولا يَسَّرَ عليه سبب الحيلة في خلاص مهجته، وتلك عادته جل وعلا فيمن ذهل عن حقه، وتبرأ إلى حول المخلوقين من حوله، وانغمس في سموم الأمور والسياسة بتقصير عقله. وروسل في إسلام بعض الخدام ممن أغرى به السلطان، وقلد لديه طوق عظمى الجناية وولي كِبْرَ الأحدوثة، فأجاره بقوة شكيمته وعظيم طماحه، ففتح باب الإغراء بنفسه، واستعجل التَبَار بسوء تدبيره، وجرت بينه وبين السلطان مراسلة بطن فيها من كياده والتمريض في أمره والمصانعة ما توهم أنه يحتج به من تسويغ انصرافه عنه إلى طِيَّتِه وإباحة رحيله عن إيالته، وآثر الامتناع بجبل بني جابر وقد طوق عميدهم يد الانتياش من الهلكة، وصيره طليقه، ليقرضه في الشدة ويكافيه في المعضلة، فضمن له ما ركنت إليه نفسه ولحق معه بجَبَلِه، ولما باح السر وتحقق من خروجه عن مراكش النبأ، جهز السلطان إليه الجيش لنظر وزيره الحسن بن يوسف الخيري بعد إزاحة علله وإطلاق يد اختياره. ولحق به مجرى القوم على رسمهم من خذلان المغرور بهم من كان، والمستبصر في الثقة بدفاعهم عنه. ولم يزل يركب الشاهق طَبَقاً عن طبق والجيش يشمر أذياله ويستأصل عدته حتى فُضَّ مَصَافُه وتُمُلِّكَ حريمه وانتُهب ماله وغلت ذخيرته، وارتقى إلى مسجد بذروة الجبل منبع الحوزة، صونع عليه أشراف ذلك القبيل فباعوا ذمته بدنانير، واقتادوه فأسلموه إلى يد طالبه. وورد الخبر بالقبض عليه واقتلاع ثُؤْلُولِه، فانكفأ أعلى القصر على أسفله استبشاراً ولم تمض إلا أيام، وجلس السلطان إلى وروده ببرج المُّصارة، وقد حُشر الناس عقب صلاة الجمعة، ونظم طائفتُه العتاة الوهق، ودارت أطواق القِد على أعناقهم، قد نهكهم الضرُّ، وغيَّر وجوههم بعد الترف الجُهد، ومثل بهم العرى وأركب الوزير جملاً ظالعاً بيِّن الظَّلَع هزيلاً كان بأحواز الحضرة سائبة، بعد أن ألبس جبة من الصوف التي يتخذها الساسة والملاحون، حاسر الرأس قد تصببت عرقاً في موقف الهول ومرقب الشهرة وهيضة المثلة. وأُمر بتأدية حق الخلافة فأوْمي لثقل الكُبول وتشاغله بالامتساك على السِّنام، وقد أُوعز إلى أعدائه باقتضاء ما أسلفهم من الإهانة وأُغْرِيَ به السَّبابون وأولو المهاترة وأذيال الباطل، فنالوا منه ومن زوجه سُونة زوج الوزراء قبله، ما المسئول من الله أن يخفف به حسابه ويجعله كَفَّارة لبعض ذُنوبه فهو الغني ذو الرحمة، ثم نقل إلى السلطان وقد تحول إلى مجلس القصر وكرسي الملك، وقام ابن عمه الوزير بعده يتقرَّعه والحاضرون يَجْبَهُونَه وهو غير ملتفت إليهم رابط الجأش رطب اللسان، صادعٌ بالحجة، قرر السلطانَ على حسن بلائه عنده، وضبْطِ البلد عن عدوه حتى قصده هو ومَلَكَه، ونسب الفرار إلى امتثال أمره والانتباذ إلى تسويغ رقعته. ولما استوفى ما لديه أُمر بتَلِّه فسحب بالكُبول على وجهه، وتطرقت الأيدي لسِمْطِ كريمته، وسُجن ببعض دور الثقاف إلى أن أنفذ فيه لأيام ما حَتَّمَتْه مشيئةُ ربه، فقيد إلى المصرع المعروف بباب السَّبع.) وأضحت رماح بني أبيه تنوشه (. فقضى على هذه السبيل وجُرَّ شِلْوُه فصلب بباب المحروق، ثم أرجل وأُمر أهلَه بمواراته. واسْحَنْفَرَ الناس في إطراء السلطان بهذا الصنع وتشادق الخطباء وتكلم الشعراء، حتى لقد وقف بين يدي السلطان صاحبنا الشيخ المدعو بالشريف ابن راجح، مَقدمه من الأندلس منتاباً، ورفع عقيرته يقول: [تَبَّت يدا أبي لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلى ناراً ذات لهب، وامرأته حمالة الحطب، في جيدها حبل من مسد] ، يشير إليه وإلى امرأته بسبابته في مقطع كل كلمة. فكان من تقدير السلطان أبي عبد الله بن نصر أن قال: كنت أنتظر أن يقول عند ذكر قوله وامرأته سونه، ويقحم ذلك في الآية إبلاغاً في إنكار هذا الأَغْبَا. والله يجعلنا من الدهر وأهله تحت تقية وحذر ةيقيناً مصارع السوء ويضفي علينا جلابيب الستر. وأنشدت السلطان في ذلك طوع اقتضائه قولي: