وتلاحق بالوزير عشيتئذٍ من قبل سلطانه المخاطبة مستَحثة في اللحاق بدار الملك يوم السبت ثالث الشهر، فتحرك ووصل المدينة عشيَّ اليوم المذكور وقد شاع قرب منزل الأمير عبد الحليم ممداً لأخيه بنفسه قبل شياع خبر الوقيعة به. وترك بمدينة مكناسة حامية ورجلاً ورماة. وفي ليلة الميلاد الأعظم من هذا الشهر ورد كتاب الفتح على أهل مدينة سلا يتضمن الأنباء بالصُّنع المذكور، وأن الأمير عبد الحليم فر عنه من كان معه من قبيلهم وارتحل لوجهه شرقاً وكفى الله المسلمين معرة الفتنة.

ونص الكتاب الوارد بذلك: من عبد الله المتوكل على الله محمد أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين ابن مولانا الأمير أبي عبد الرحمن بن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي الحسن بن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي سعيد بن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق أيد الله سلطانه، ومهد أقطاره وأوطانه، إلى الأشياخ المكرمين والشرفاء المرعيين والفقهاء المؤثرين والوجوه والأعيان والخاصة والعامة والدهماء من أهل مدينة سلا حرسها الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد حمد الله واهب النعماء ومجزل المنن الجميمة والآلاء، مؤيد من توكل عليه بالظهور والاعتلاء والفتح الحميد الأنباء، الجميل الإعادة والابتداء، والصلاة والسلام الأكملين على سيدنا ونبينا ومولانا محمد خاتم الأرسال والأنبياء، المخصوص بالحوض والشفاعة واللواء، المبعوث رحمة لإظهار الحنيفة السمحة البيضاء، المؤيد بالرعب على من راغ عن سبيل السواء، والرضا عن آله وأصحابه ذوي العزم والمضاء، الباذلين أموالهم ونفوسهم في مناصرته ومؤازرته فكانوا أعز الأنصار والظهراء، وصلة الدعاء لهذا الأمر العلي المؤيد الكريم السلطاني المجاهدي المحمدي المتوكلي بنصر الأولياء وكبت الأعداء وقسر متبعي الأهواء واتصال الفتوحات المجددة مع الآناء.

فإنا كتبنا إليكم وإلى الله وفود البشائر عليكم، وضاعف ضروب المسرات إليكم من حضرتنا العلية المدينة البيضاء حرسها الله تعالى) وكلاها (وإياة النصر رائقة، ورايات الفتح خافقة وآيات الظهور باعتلاء كلمتنا ناطقة. والحمد لله كثيراً ولكم عندنا عناية كفيلة بتيسير مأربكم وحفاية مؤكدة لرعاية جانبكم، وبحسب ذلك لا يتزيد عندنا مزيد إلا أوفدنا عليكم زائده، ولا يتجدد لدينا متجدد إلا أوردنا عليكم وافده، وإلى هذا أكرمكم الله تعالى فإنا أصدرناه إليكم نعلمكم أنه لما استقر ركابنا السامي بحضرتنا المذكورة وَالَى الله علوها، واستولينا منها على سرير ملك آبائنا وخلافة الكرام أسلافنا، اقتضى نظرنا الكريم أن وجهنا وزيرنا الحظي لدينا الأعز علينا المقرب بإمحاض النصائح إلينا، ظهير خلافتنا الأرضَى وحسام دولتنا الأمضى وعضد ملكنا وخالصة أمرنا ونجي سرنا، أبا عمر بن عبد الله بن علي أعزه الله تعالى، يقدم جملة منصورة من جيشنا المظفر للقبض على من كان بمكناسة المحروسة من طائفة الشقي عبد الحليم. فلما أحست الطائفة المذكورة بذلك، حدثتهم أنفسهم الخبيثة وأمانيهم الكاذبة بلقاء حزبنا الغالب بالله تعالى، فخرجوا بظاهر مكناسة المذكورة، حتى إذا تراءى الجمعان صدق أولياؤنا أعزهم الله الحملة عليهم، فولّى الأعداء الأدبار، ومنح الله منهم الأكتاف فأحال أولياؤنا عليهم القتل وأكثروا فيهم الفتك والسبي وفر متبوعهم عبد المؤمن خاسراً إلى أخيه عبد الحليم المذكور. فلما ورد عليه الخبر بذلك أسلمه جميع من كان معه بتازى من بني عسكر وغيرهم. وفر للحين على وجهه لحيث يعجل الله بالقبض عليه والانتقام منه ورجع من كان معه إلى بابنا العلي أسماه الله تعالى.

أعلمناكم بذلك لتأخذوا بحظكم من السرور بأوفى حظ والله سبحانه المشكور على ذلك وهو يصل كرامتكم ويوالي أثرتكم وحفايتكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وكتب في اليوم الخامس لشهر ربيع الأول المبارك من عام ثلاثة وستين وسبعمائة عرف الله خيره وبركته بمنه. وكتب في التاريخ المؤرخ به فغشينا بالبلد سرور كثير تأيد بسرور الموسم المخصوص بالاحتفال والحمد لله.

وكان من الأمر ما يلي به الذكر إن شاء الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015