وفر إلى الروم إبراهيم بن السراج في خبر طويل، وكان له من الموروري حلف، فلما أحان الله ذلك التيس بيد الظالم الذي أسخط الله في رضاه، وخذل الإسلام بإعانته، استراب بمكانه فكان ذلك.

وتُقُبِّضَ بعدَه على أحد مصراعي باب الوفاء للسلطان - جبره الله - أبو بكر ابن زيد زعيم وادي آش! بعد أن اصطنعه وأسماه رقياً إلى ألفته وخلطه بنفسه في القلعة، وأنكحه إحدى عتيقات القصر ذات أسباب جمة ومتاع حسن وبُغْية، ثم أهوى به في الطَّبق الضَّنك مستَقَر أرباب الجرائم، وابنه الغض الشبيبة، الراجح الوزن على الفَتَا، المَلِيِّ من خلال السؤدد بغير جرم ولا جناية. زعموا أن بلديَّهُما كاتبُه وخطيبُه الملجوم المُنْبَزُ بالجوادي، عبد الحق بن عطية، أغراه بهما، وما أقرب الدنيا من الآخرة، بينما الرجل في إيالة هذا الحلف محمود النعمة، مرموق المكانة، مغبوط الحظ، إذ تطرقته العيوبُ بغتة لها جس طوَّر أفكاره السبعية أو ألقِيَةٍ كاذبة طرقت أذنَه المستباحة، بوأنا الله مهاد الأمن في الدنيا والآخرة، وعرفنا بَرْدَ العافية، وفكَّ عن أعناقنا مِلكةَ سواه.

وفي أواسط شهر المحرم من عام اثنين وستين عرَّفَنا الله فيه عارفة الخير، كان استقدام ولد السلطان الأمير المنصرف عن الأندلس في سبيل البغي عليه والمكيدة، المستكمل خلال الفضل، المستولي على أمد الطهارة والعفاف أبي عبد الله بن الأمير أبي الحجاج بن نصر، أُبرم أمرُ استخلاصه من غير علم عبده، فبايع المتغلب على الإقرار في الوقت والمهادنة تحرجاً مما تجره المخاشنةُ من صدع يصيب عصا الإسلام مجراه. وقد اشتمل ثقافة من أبناء الملوك اليعاقبة على الجُملة مُوعِداً بتنفيق سوق الفتنة ببعضهم عند إضاقته، فَرُوخِي رَسَنُه مطاولة، وطُوِيَ أمره على عِدَه، وسقط في يد مظلومِه لركود ويحه وتقاصر أمره. وجاشت النفوس ممن لديه ثم استكانت لِصَوْلَةِ الأيام مرجئة للوقت، مرتشفة للبُلالة، فسبحانَ الحق يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء لا يُسأل عما يفعل.

وأزعج من الأندلس صحبته الشيخ أبو الحسن علي بن بدر الدين بن موسى ابن رحّو بن عبد الله بجريرة ما تقدم من مظاهرة السلطان صبيحة ليلة نكبته وتمسكه ببيعته، وذَبِّه في سبيل الوفاء عنه، فوصل جميعهُم في جَفْنٍ غزوي من مالقة إلى سبتة، ومع الولد أمه في طُوَيِّفَةٍ من جواريها بحال حاجة للكثير من الضروريات وقد ضَنَّ ظالمهم على جميعهم بما لم تكن لتضره السماحة به والتهاون بحقيره في جنب ما رزأهم من متاع الدنيا الذي لا نهاية وراءه في الظَّرف والبهجة. وفي الله خَلَفٌ من كل ذاهب.

وفي الموفِّي عشرين من هذا الشهر، خرج موسى بن إبراهيم اليرنياني، من مشيخة الخدام، ومُصْطَفِ الأوداء، إلى الأندلس بهدية من كراع وآلة على سبيل الملاطفة، وصدرت المخاطبة في شأني بما من بعض فصوله: فإن كنتم تبخلون بماله فعرفونا بمقدار ثمنه ليصلَكم من قِبَلِنَا. ولله أمرٌ هو بالغهُ سبحانه وقد جعل لكل شيء قدراً، نسأله الرضا بقضائه والشكر على السالف والراهن من آلائه.

بعض المؤلفات والقصائد والرسائل التي كتبها ابن الخطيب في المغرب

وإلى هذا الحد، صدر عني من الموضوعات والنظم والنثر ما نُثْبِتُه إحْمَاضاً ومناوبة على حد الصواب في الأحاديث والأسمار، فقد قالوا: لا تجعلوا شرابكم غِناءً كلَّه ولا حديثاً كلَّه، ولكن انتهبوا الأنس انتهاباً.

فمن الموضوعات؛ الرَّجز المسمى بِرَقْمِ الحُلَل في نَظْمِ الدُّوَل، يشتمل على الدول الإسلامية كلها من غير حشو ولا كُلْفَة على زماننا هذا، ورفعتُه إلى السلطان، فورد الأمر بإضعاف الجراية، فبلغت إلى هذا الحد بستين بيزا من الذهب العَيْن في كل هلال، وكان من نصه: وقد) وصل الرَّجَزُ المُعْجِبُ المُعْجِز (، وعرَّفني بإعادة الرسالة إلى الأندلس في شأني والله لا يقطع عنا أسباب لطفه.

ومنها الجزء المسمى: بِمِعْيَارِ الاختبار في أحْوَالِ المعَاهِدِ والدِّيَار، كتاب غريب مُصَوَّر لم يَسبِق متقدم إلى غَرَضِه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015