واحتج المنازع بأمور:
أحدها: أن الفاء جاء في كتاب الله تعالى لا بمعنى التعقيب في قوله تعالى:
(لا تفتروا على الله كذبا؛ فيسحتكم بعذاب) [طه:61] والإسحات لا يقع عقيب الافتراء على الله كذبًا؛ بل يتراخى إلى الآخرة، وقال سبحانه وتعالى: (وإن كنتم على سفر، ولم تجدوا كتابا، فرهانا مقبوضة) [البقرة:283] مع أن ذلك قد لا يحصل عقب المداينة.
وثانيها: أن الفاء قد تدخل على لفظ التعقيب، ولو كانت الفاء للتعقيب لما جاز ذلك.
وثالثها: أن التعقيب يصح الإخبار به وعنه، والفاء ليست كذلك؛ فالفاء مغايرة للتعقيب.
والجواب عن الكل: أن ماذكرتموه استدلال في مقابلة النص؛ فلا يقدح في قولنا، بل وجب حمل ما ذكره أولا: على المجاز، وثانيا: على التوكيد.
وأما الثالث: ففيه بحث دقيق، ذكرناه في كتاب (المحرر في دقائق النحو).
المسألة الثالثة: لفظة (في) للظرفية محققا، أو مقدرا: أما المحقق، فكقولهم: زيد في الدار وأما المقدر، فكقوله تعالى: (ولأصلبنكم في جذوع النخل) [طه:72] لتمكن المصلوب على الجذع تمكن الشيء في المكان.
وقولنا: فلان في الصلاة، وشاك في هذه المسألة من هذا الباب.
ومن الفقهاء من قال: إنها السببية؛ مقوله عليه الصلاة والسلام: (في النفس المؤمنة مائة من الإبل) وهو ضعيف؛ لأن أحدا من أهل اللغة ما ذكر ذلك، مع أن المرجع في هذه المباحث إليهم.