وعن الرابع: أن ما ذكرتموه من الترجيح معارض بوجه آخر؛ وهو أن الحاجة إلى التعبير عن المعنى الأعم أشد من الحاجة إلى التعبير عن المعنى الأخص؛ لأنه حيث يحتاج إلى ذكر الأخص يحتاج إلى ذكر الأعم؛ لا محالة ضمنا، وقد يحتاج إلى ذكر الأعم حيث لا يحتاج إلى ذكر الأخص ألبتة؛ فكانت الحاجة إلى ذكر الأعم أشد.
فلو قال: (دخلت بغداد فالبصرة) أفاد التعقيب على ما يمكن، لا على ما يمتنع، وإنما قلنا: إنها للتعقيب؛ لإجماع أهل اللغة عليه.
ومنهم من استدل عليه: بأنها لو لم تكن للتعقيب، لما دخلت على الجزاء إذا لم يكن بلفظ الماضي والمضارع، لكنها تدخل فيه؛ فهي للتعقيب.
بيان الملازمة: أن جزاد الشرط قد يكون بلفظ الماضي؛ كقوله: (من دخل داري أكرمته) وقد يكون بلفظ المضارع؛ كقوله (من دخل داري يكرم) وقد يكون لا يهاتين اللفظتين؛ وحينئذ لا بد من ذكر الفاء؛ كقوله: (من دخل داري، فله درهم) وقول الشاعر [البسيط]:
(من يفعل الحسنات الله يشكرها)
فقد أنكره المبرد، وزعم أن الرواية الصحيحة [البسيط]:
(من يفعل الخير فالرحمن يشكره)
وإذا وجب دخول الفاء على الجزاء، وثبت أن الجزاء لا بد أن يحصل عقيب الشرط، علمنا أن الفاء تقتضي التعقيب.