وأما الثاني، فضعيف أيضا، أما أولا؛ فلأن ذلك الاشتهار إنما يجب في الأمور العظيمة؛ ووضع اللفظة المعينة بإزاء المعنى المعين ليس من الأمور العظيمة التي يجب اشتهارها، وأما ثانيا؛ فلأن ذلك ينتقض بما أنا نرى أكثر العرب في زماننا هذا يتكلمون بألفاظ مختلة، وإعرابات فاسدة، مع أنا لا نعلم واضع تلك الألفاظ المختلة ولا زمان وضعها، وينتقض أيضا بالألفاظ العرفية؛ فإنها نقلت عن موضوعاتها الأصلية، مع أنا لا نعلم المغير ولا زمان التغيير فكذا هاهنا.

سلمنا أنه يجب أن يشتهر ذلك؛ لكن لا نسلم أنه لم يشتهر، فإنه قد اشتهر، بل بلغ مبلغ التواتر أن هذه اللغات إنما أخذت عن جمع مخصوصين كالخليل، وأبي عمر بن العلاء، والأصمعي،

وأبي عمرو الشيباني، وأضرابهم ولاشك أن هؤلاء ما كانوا معصومين، ولا كانوا بالغين حد التواتر، وإذا كان كذلك لم يحصل القطع واليقين بقولهم.

أقصى ما في الباب أن يقال: نعلم قطعا استحالة كون هذه اللغات بأسرها منقولة على سبيل الكذب، إلا أنا نسلم ذلك، ونقطع بأن فيها ما هو صدق قطعا، لكن كل لفظة عينَّاها، فإنه لا يمكننا القطع بأنها من قبيلما نقل صدقا أو كذبا؛ وحيينئذ لا يبقى القطع في لفظ معين أصلا، هذا هو الإشكال على من ادعى التواتر في نقل اللغات.

أما الآحاد، فالإشكال عليه من وجوه:

أحدها: أن رواية الآحاد لا تفيد إلا الظن، ومعرفة القرآن والأخبار مبنية على معرفة اللغة والنحو والتصريف، والمبني على المظنون مظنون، فوجب ألا يحصل القطع بشيء من مدلولات القرآن والأخبار، وذلك خلاف الإجماع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015