فإن علمنا ذلك بلفظ آخر، افتقرنا فيه إلى اعتقاد عدم النسخ أيضًا، فإن كان ذلك بلفظ آخر أيضًا، تسلسل إلى غير النهاية؛ وهو محال؛ فلابد أن ينتهي آخر الأمر إلى التمسك بالاستصحاب؛ وهو أن علمنا بثبوته في الحال يقتضي ظن وجوده في الزمان الثاني.

وأيضًا: فالفقهاء بأسرهم، على كثرة اختلافهم اتفقوا على أنا متى تيقنا حصول شيء، وشككنا في حدوث المزيل -أخذنا بالمتيقن؛ وهذا عين الاستصحاب؛ لأنهم رجحوا بقاء الباقي على حدوث الحادث.

وأما العرف: فلأن من خرج من داره، وترك أولاده فيها على حالة مخصوصة، كان اعتقاده لبقائهم على تلك الحالة التي تركهم عليها -راجحًا على اعتقاده لتغير. تلك الحالة، ومن غاب عن بلده، فإنه يكتب إلى أحبابه وأصدقائه عادة في الأمور التي كانت موجودة حال حضوره؛ وما ذاك إلا لأن اعتقاده في بقاء تلك الأمور راجح على اعتقاده في تغيرها، بل لو تأملنا، لقطعنا بأن أكثر مصالح العالم، ومعاملات الخلق مبنى على القول بالاستصحاب.

فرع:

من قال: (النافي لا دليل عليه): إن أراد: أن العلم بذلك العدم الأصلي يوجب ظن دوامه في المستقبل، فهذا حق؛ كما بيناه.

وإن أراد به غيره، فهو باطل؛ لأن العلم بالنفي، أو الظن به -لا يحصل إلا لمؤثر.

المسألة الثانية في الاستصحاب

قال القرافى: الاستصحاب استفعال، وأصل لطلب الفعل، كالاستسقاء لطلب السقي، والاستفهام لطلب الفهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015