فالإصابة، والخطأ ليس النزاع فيهما إلا باعتبار حكم آخر في نفس الأمر لا باعتبار ما في ظنون المجتهدين.

فاكتفاؤكم بحصول الصواب فيما في الظنون لا يفيدكم شيئًا، ولا خلاف بين الناس أن لله - تعالى - في الظنون أحكامًا.

إنما اختلفوا هل وراء هذه الأحكام أحكام أخر في نفس الأمر أم لا؟.

وأنه أمر مع هذه الأحكام التي في الظنون بطلب أحكام أخر في نفس الأمر، كما تطلب الكعبة، فيصيبها، ويخطئها، مع اتفاقنا في الكعبة - أيضًا - أنه يجب أن يصلى إلى الجهة التي غلبت على ظنه، فكما أمر في الكعبة بها في نفس الأمر، وبما غلب على ظنه، وإن أخطأ، كذلك هاهنا مأمورون.

وكما أن ثم مأمورين، والخطأ إنما يتصور باعتبار الكائن في نفس الأمر فيها دون ما أدى إليه اجتهاده إلا أن يسهو عنه، فيفعل غيره نسيانًا، فيصلى لغير الجهة التي أدى إليها اجتهاده، وبقى تعين الحكم الذي أدي إليه اجتهاده سهوًا إلى ما إذا عمل بمقتضى الاجتهاد، فهو مصيب قطعًا؛ لما في الاجتهاد يحتمل الإصابة لما في نفس الأمر من غير جزمٍ.

قوله: (استلزام الأمارة للحكم، إما أن يتوقف على انضمام قيد أم لا)، فإن توقف امتنع أن تكون تلك الأمارة أمارة لذلك الحكم؛ لأن المستلزم هو المجموع):

قلنا: عليه سؤالان:

الأول: أن هذا ينفي الأمارة كلها في أمور الدنيا والدين، لا ما يتردد فيها بعين ما ذكرتم، وهو خلاف الضرورة؛ فإنا مجمعون على الاستدلال بالغيم الرطب على المطر، وبأمارات الخوف، والأمن، وغضب زيد، وجوعه، وفرحه، ولذته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015