ويعتمد على ذلك في مداواة الأبدان، والمزارع، والمتاجر، وغيرها من أمور الدنيا، ويستدل بخبر الواحد، وبعموم الكتاب، وبحمل اللفظ على الحقيقة دون المجاز، وعلى العموم دون التخصيص، والاستقلال دون الإضمار، والإفراد دون الاشتراك.
وغير ذلك من المدارك الشرعية، وما ذكرتموه يبطله كله.
الثاني: أن كون الشيء في ذاته بحيث يكون استلزامه الشيء أرجح من عدم استلزامه أمر ثابت له في ذاته، وجد معه عدم المانع من ذلك أم لا؛ فإن الماء يستلزم الري في الحيوان ظاهرًا، والخبز الشبع، والنار الإنضاج للطعام، وغير ذلك من الأغذية، والأدوية، والأسباب الممرضة والمصحة قد يقترن بها مانع، فلا يثبت معها الحكم المنسوب إليها، وقد لا يقترن بها فيثبت، ولا يخرجها ذلك عن الاستلزام الظني لذلك الحكم؛ فإن عدم المانع ليس معتبرًا في اقتضاء المقتضى، إنما هو معتبر في الترتب، ولا مدخل له في الاقتضاء.
كذلك الأمارة في ذاتها تناسب الحكم، وتستلزمه ظاهرًا حتى يمنعها مانع، ففي الحقيقة المستلزم للمجموع المركب للأمارة، مع عدم المانع، لكن عدم المانع لا مدخل له في الاقتضاء، كما أن عدم المخصص لا مدخل له في كون الحقيقة هي الراجعة.
قوله: (ذلك الخطأ من الصغائر، فلا جرم لم يجب الامتناع عن التولية":
قلنا: اتفقوا على أن كل مجتهد مأجور، إما أجرًا إن كان مخطئًا، أو أجرين إن كان مصيبًا، والمأجور لا يكون عاصيًا، والصغيرة عصيان، فلا يجتمع معه الاجتهاد.