قلنا: الفرق أن المخطئ في الفروع، إذا حكم بغير حكم الله المقرر في نفس الأمر، فقد أضاف إلى الله - تعالى - ما هو جائز عليه؛ فإن الله - تعالى - يجوز عليه أن يكون في شرعه التحريم بدلاً عن التحليل، وبالضد. أما المخطئ في الأصول، فيجوز على الله - تعالى - ما هو مستحيل عليه، وما هو قدح في الربوبية، فذلك أشد الحرج، وعظم الخطر، ولم يقدر المكلف منها، وهذا فرق عظيم، فلا يلزم من نفي الحرج في الفروع عدمه في الأصول؛ ولأن مسائل الأصول منضبطة، أعنى المسائل التي كلف الله - تعالى - بها عباده في أصول الدين، لا تكاد تزيد على الخمسين مسألة - والقليل يمكن ضبطه، وإتقانه توجه الفكر إليه التوجيه التام، والفروع لا تعد، ولا تحصى، فلا يمكن ضبطها، فيعذر الإنسان فيها، وهذا - أيضًا - فرق حسن.
ولهذه الفروق جوز الشرع التمسك في الفروع بالظن دون الأصول، وهو - أيضًا - فرق ثالث.
قوله: (لو لم يكن عليه دليل، لزم تكليف ما لا يطاق):
قلنا: ونحن نقول بجوازه، وهو المشهور من مذهب المتكلمين.
قوله: (الأمة مجمعة على أن المجتهد يعمل على وفق ظنه، فيكون مصيبًا):
قلنا: ليس الخلاف في إصابة المجتهد الحكم الجاري في الظنون؛ فإن ذلك مجمع على الإصابة فيه، بل يتعذر خلافها.
إنما النزاع في حكم الله - تعالى - الكائن في نفس الأمر الذي يطلبه المجتهدون، هل ذلك حق حتى تتصور الإصابة فيه، والخطأ، وليس في نفس الأمر شيء، فلا خطأ ألبتة حينئذ؟.