قلنا: هذا عليه أسئلة:
أحدها: أن ذلك الدليل لم يتعين أنه مما أنزل الله - تعالى - لجواز أن يكون قياسًا عقليا، أو مركبًا من العقل والنقل.
وثانيها: سلمنا أنه يتعين أن يكون مما أنزل الله - تعالى - لكن المنزل ظاهر في عرف الشرع في القرآن؛ لقوله تعالى:} لتبين للناس ما نزل إليهم {، وحيث ورد التنزل، فالمراد به القرآن والسنة، وإن كانت وحيًا منزلاً، لكن غلب الاستعمال في القرآن، وحينئذ جاز أن يكون دليل الحكم من السنة.
وثالثها: سلمنا أن المنزل يعم الكتاب والسنة، لكن اللفظ يقتضي أن من لم يحكم بكل ما أنزل الله، فهو كافر، وهذا لم يقل به أحد؛ فإن المجتهد لابد أن يترك المنسوخ والمرجوح لمعارض عارضه، فلابد لكل مجتهد من ذلك، والقول بالعموم خلاف الإجماع؛ مع أن ظاهر عموم "ما" يقتضيه؛ فإنها من صيغ العموم.
ورابعها: أن يقول: المراد من لم يحكم بما أنزل الله - تعالى - بمعنى أنه لم يحكم بشيء منه، وإلقاء جميع المنزل، فهو كافر.
فلم قلت: إن المجتهد إذا ترك دليل الحكم ترك كل منزل، بل بقى أدلة التوحيد والبعث، وغير ذلك من السمعيات.
وخامسها: أن هذه الصيغة عامة في أفراد الأدلة المنزلة المطلقة في المدلول، كما تقدم في (باب العموم).
فنحن نقول بموجبه؛ لأن من لم يحكم بما أنزل الله في قواعد العقائد، فهو كافر، وهذا صحيح.
قوله: (غموض أدلة هذه الأحكام لا يزيد على غموض أدلة المسائل العقلية، والخطأ فيها كفر):