وكيف يمكن القول به، مع أن أحد المتنافيين متى كان راجحًا، كان الآخر مرجوحًا بالضرورة؟
قوله: (فإن اكتفينا بهذا القدر جاز):
قلنا: لا يمكن الاكتفاء به؛ فإنكم إنما بنيتم الخطأ باعتبار ما في نفس الأمر، وهو لم ينازع فيه أحد؛ بل قالوا به باعتبار الراجح من الأمارات، إنما اختلفوا في الخطأ في الحكم.
والفرق: أن الحكم قد نوزع في وجوده في نفس الأمر، فالخطأ فيه فرع ثبوته، فإذا لم يثبت، فلا خطأ، وأما الأمارتان فموجودتان قطعًا، فيتعين الخطأ باعتبار نفس الأمر في حق أحد المجتهدين ضرورة.
قوله: (الاعتقاد الذي ليس بمطابق جهل، والجهل بإجماع الأمة غير مأمور به):
قلنا: لا نسلم أن الجهل غير مأمور به إجماعًا، بل الجهل المركب باعتبار رجحان الأمارة في نفس الأمر، لا باعتبار ظن المجتهد متفق على الأمر به.
كما اتفق الناس على وجوب العمل بالظن في الأحكام، مع القطع بأن الأمارتين ليستا موصوفتين، يكون كل واحد منهما هي الأرجح، وكذلك في المجتهدين في القبلة، والمياه، والأثواب الملتبسة نجسها بطاهرها، والتقويم في أروش الجنايات، وقيم المتلفات، وجزاء الصيد، وغير ذلك من الصور.
يحكم في كل واحدة بما غلب على ظنه، وإن حكم الآخر بضد ما حكم به، مع القطع بعدم اشتراك تلك المدارك في أن كل واحد منها أرجح من الآخر، بل الراجح منها متعين في نفس الأمر قطعًا، فالجهل المركب مأمور به في كثير من الصور بالإجماع.
فكيف يدعى الإجماع على عدم الأمر به؟.