قلنا: هذا الموضع مشكل؛ لأجل أن الحكم المعين - في نفس الأمر - غير معلوم للبشر، فدليله - أيضًا - القطعي يكون غير معلوم.
فإن كان الأصم يقول: إن دليل هذا الحكم ظاهر للناس، ظهورًا جليا، يلزم أن يقول: الحكم المعين - أيضًا - ظاهر ظهورًا جليًا، وهو خلاف الضرورة. وإن قال: إنه غير ظاهر للناس، فكيف ينقض قضاء القاضي؟
ونقض الحكم إنما يكون مع العلم بوجود موجب نقضه، وغير المعلوم كيف ينقض به، فعلى التقديرين هذا المذهب مشكل.
غير أن أبا الحسين في (المعتمد)، حكى عنهم أنهم قالوا: على الحق دليل يعلم به المستدل أنه قد وصل إلى الحق.
فإن أراد أنه إذا لم يعلم الوصول إلى الحق ينقض، فلاشك أن هذا معلوم، وهذه لفظة لم ينقلها صاحب "المحصول".
غير أنه يلزم على هذا نقض كل حكم مظنون، وهو أكثر الشريعة، فهو وإن يخرج من هذا الوجه أشكل من الوجه الآخر.
وقد يلتزمون نقض أكثر الشريعة، فيندفع الإشكال مطلقًا.
قوله: (وهذه إحدى صور الخلاف):
قلنا: لم يخالف أحد في أن كل مجتهد مصيب؛ للرجحان في الأمارة في نفس الأمر، كما أنهم لم يقولوا: إن كل مجتهد مصيب باعتبار الحكم الصادر عن اجتهاده، لا باعتبار الحكم المعين في نفس الأمر.
والصواب: باعتبار نفس الأمر، لم يقل به أحد - فيما علمت - لا في أمارة، ولا في حكم.