سلمنا أنه لا يجوز حمله عليه؛ فلم قلتم: إنه لما لم يجز حمله على النص الخفي، وعلى دليل العقل، وجب حمله على القياس الشرعي، وما الدليل على الحصر؟.
فإن هاهنا طرقًا أخرى سوى القياس؛ كالتمسك بالمصالح المرسلة، والتمسك بطريقة الاحتياط في تنزيل اللفظ على أكثر مفهوماته، أو أقل مفهوماته، أو قول الشارع: (احكم فإنك لا تحكم إلا بالصواب) وبالجملة: فلا بد من دليل على الحصر.
سلمنا: أنه يتناول القياس الشرعي، ولكن يكفي في العمل بمقتضاه إثبات نوع واحد من أنواع القياس الشرعي، ونحن نقول به؛ فإن مذهب النظام: أن الشرع إذا نص على علة الحكم، وجب القياس، ورد الأمر بالقياس، أو لم يرد، ويجب أيضًا قياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف.
سلمنا أنه يدل على جواز العمل بالقياس الشرعي؛ لكن في زمان حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو بعده على الإطلاق؟ الأول مسلم، والثاني ممنوع:
بيانه: أن شرط العمل بالقياس عدم الوجدان في الكتاب والسنة، وذلك إنما يمكن في زمان حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لعدم استقرار الشرع، فأما بعد نزول قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] فإن ذلك متعذر؛ لأن الدين إنما يكون كاملاً أن لو بين فيه جميع ما يحتاج إليه، وذلك إنما يكون بالتنصيص على كليات الأحكام.
وإذا كان جميع الأحكام موجودًا في الكتاب والسنة، وكان العمل بالقياس مشروطًا بعدم الوجدان فيهما، لم يجز العمل بالقياس بعد زمان الرسول - صلى الله عليه وسلم -.