فإن قلت: الدليل على صحته أن مثبتي القياس كانوا أبدًا متمسكين به في إثبات القياس، والنفاة كانوا مشتغلين بتأويله، وذلك يدل على اتفاقهم على قبوله.
قلت: قد تقدم بيان ضعف هذا الوجه.
سلمنا صحته؛ فلم يدل على كون القياس حجة؟
أما قوله: (أجتهد رأيى) قلنا: الاجتهاد: (عبارة عن استفراغ الجهد في الطلب) فنحمله على طلب الحكم من النصوص الخفية.
فإن قلت: (إنما قال: (أجتهد رأيى) بعد أن كان لا يجده في الكتاب والسنة، وما دلت النصوص الخفية عليه لا يجوز أن يقال: إنه غير موجود في الكتاب والسنة):
قلنا: لا نسلم أن قوله: (فإن لم تجده) يقتضي العموم؛ بيانه: أنه يصح أن يستفهم؛ فيقال: أتعني بقولك: (فإن لم تجد) عدم الوجدان في صرائحه فقط، أم فيه، وفي جميع وجوه دلالته.
سلمنا أنه بظاهره للعموم؛ لكن هاهنا لا يمكن حمله على العموم؛ لأن العمل بالقياس مفهوم عندكم من الكتاب والسنة، فكيف يصح حمل قوله: (فإن لم تجد) على العموم.
سلمنا أنه يمكن حمله على العموم؛ لكن قوله: (أجتهد رأيى) يكفي في العمل بمقتضاه نوع واحد من الاجتهاد، فنحمله على التمسك بالبراءة الأصلية، أو على التمسك بما ثبت في العقل؛ من أن الأصل في الأفعال الإباحة أو الحظر.